الأربعاء، 20 يناير 2016

أسطورة "صخرة الملك المغربي" La Peña del Rey Moro في طليطلة وسط إسبانيا.


أسطورة "صخرة الملك المغربي" La Peña del Rey Moro في طليطلة وسط إسبانيا.

هذه تفاصيل أشهر قصة طليطلية اليوم توارث تفاصيلَها أندلسيو طليطلة أبا عن جد إلى اليوم. و لا تكتمل زيارة السائح لطليطلة إلا بالوقوف عند صخرة الملك المغربي. 

بقلم هشام زليم 
صلة الرحم بالأندلس.
منظر لطليطلة من صخرة الملك المغربي.

في ليالي طليطلة المُقمِرة يترائى طيف يحوم حول المدينة و نواحيها...إنها روح الأمير المغربي أبي الوليد تخرج من قبرها لتتأمل ارتسام ظل المنازل و الأبراج و القباب تحت ضوء القمر.


في عام 1083م كان يحكم طليطلة القادر يحي بن ذي النون, حفيد المأمون. كان حصار ألفونسو السادس للمدينة يشتد و قواته تعيث فسادا في أريافها لعل الجوع يدفع أهلها المدافعين عنها للاستسلام. ذكّر يحيَ الملكَ القشتالي بصداقته مع والده و المنافع التي تلقاها منه و تودّد له بدفع جزية ضخمة تفوق إمكانياته لكن ألفونسو السادس رفض كل الوساطات و العروض لفك الحصار و لم يرض إلى بالاستسلام و تسليم طليطلة. 


هكذا لجأ يحي إلى باقي ملوك الطوائف ببلاد الأندلس محذرا إياهم من مغبة سقوط طليطلة بيد الملك القشتالي, فلم يجد الدّعم إلا من ملكي بطليوس و سرقسطة. لكن الأمور لم تسر كما كان يتمنى, فملك سرقسطة توفي قبل أن ينفذ مشروع مساعدة طليطلة, بينما قُتل ملك بطليوس في اشتباكات مع القشتاليين أثناء خروجه في جيشه قاصدا فك الحصار عن طليطلة. لم يفقد يحي الأمل في الحفاظ على مُلكه فبعث رسله إلى المغرب طلبا للمساعدة. استمع الملك المغربي لرسالة الاستغاثة المؤلمة التي أرسلها حاكم طليطلة فقرر أن يرسل في البداية مستطلِعا يقف على حقيقة الوضع و الحاجيات الأساسية كي يقرر نوعية و حجم المساعدة التي سيبعثها.
لوحة تذكارية في طليطلة تحكي قصة أسطورة أبي الوليد.

هكذا اختار الملك المغربي لهذه المهمة أميرا مُحاربا شابا يُدعى أبا الوليد. لما وصل الأمير المغربي إلى طليطلة وجد في استقباله  الملك يحي القادر الذي كان يقاربه في السن, استقبله استقبال الغريق الذي وجد وسط أمواج البحر المتلاطمة سندا يتكأ عليه و يدفع عنه و لو إلى حين خطر الغرق. ثم وضعه في صورة الوضع و خطورته.

خلال مقامه في طليطلة أقيمت على شرف أبي الوليد حفلات و عروض تعرف من خلالها على "صُبيحة" شقيقة مضيفه يحي. و سرعان ما أُغرما ببعضهما و وجدا مكانا لهذا الشعور النبيل وسط ذلك الجو الكئيب الذي يُحيط بطليطلة.

هذا الحب المُفاجئ أربك حسابات أبا الوليد, فعقله يدفعه للعودة لبلاد المغرب ليخبر ملكها بما رآه في طليطلة و من تمَ ينهي مهمته التي جاءت به إلى هنا, بينما قلبه يُهول له فراق حبيبته الأميرة و يأمره بالبقاءإلى جانبها. لكن نداء العقل كان أقوى من نداء القلب, فقرر مغادرة طليطلة مع العزم على العودة و معه الدعم المغربي اللازم و الزواج من صبيحة.


و بينما أبو الوليد في المغرب يجهز الجيوش للعودة إلى طليطلة و فك الحصار عنها و لقاء صبيحة مرة أخرى, كان ألفونسو السادس قد اقتحم طليطلة التي عجزت عن الصمود أكثر. غادر القادر يحي مسقط رأسه دون أن يستطيع اصطحاب شقيقته صبيحة التي توفيت نتيجة الحصار و المرض الذي ألمَ بها. و خلال احتضارها, كلفت صبيحة أحد خدمها بعدم مغادرة طليطلة حتى لو سقطت بيد القشتاليين و انتظار عودة أبي الوليد لإخباره بوفاتها و أنها ماتت و هي تفكر فيه و تنتظر عودته. 

لم يمر وقت طويل حتى جازت الجيوش المغربية بقيادة أبي الوليد إلى العدوة الأندلسية و توجهت إلى طليطلة دون أن تعلم بعد أن المدينة قد أصبحت بيد ألفونسو السادس. و كان أبو الوليد قد تأخر قليلا بسبب مرض ألم به و حَلُّهُ لبعض المسائل المحلية في المغرب, لكنه عاد كي ينفذ وعده لأهل طليطلة. لكن في حقيقة الأمر ما أعطاه القوة و العزيمة لتخطي كل الصعاب هو عشقه للأميرة صبيحة. كان يتلهف للدخول إلى طليطلة و يخبر يحي القادر بسبب تأخره و ينهي بذلك دوامة الشك و سوء الظن الذي بدأ يساور البعض بسبب تأخر النجدة و أيضا كي يوطد حكم يحي القادر و يتزوج من صبيحة. لكن ما إن وصل ضواحي طليطلة, حتى وصله الخبر الصاعق: لقد سقطت طليطلة بيد القشتاليين, و رأى أعلامهم ترتفرف فوق أبراج المدينة. و كأن هذا الخبر لم يكن كافيا لصعقه أخبره خادم صبيحة بأن الأميرة قد ماتت و أخبره بآخر كلماتها. انفطر فؤاد أبي الوليد حزنا و ألما و انهمرت من عينيه دموع حارة, و عاد إلى خيمته منكسرا, لكن سرعان ما استجمع قواه و أعلن: "جئت لتحرير مدينتكم و أفي بوعدي. أريد أن أزحف إلى الأماكن التي كانت تحبها و مُنايا أن أزور قبرها حيث ترقد إلى الأبد". 


سيطر جيش أبي الوليد على ضواحي طليطلة من الناحية الأخرى لنهر تاجُه, و هو المكان الذي توجد في اليوم أكاديمية المشاة. و كان مقر قيادة الجيش المغربي في الميدان الموجود في التلة الصخرية المقابلة لضريح عذراء الوادي ermita de la Virgen del Valle.   


أما خيمة أبي الوليد, التي كانت تحوي أنفس الاثواب الحريرية و السجادات, فكانت قرب الصخرة الاستراتيجية التي تعلو هذه التلة و تمنح منظرا عاما لطليطلة. كان الوليد يصعد كل يوم عند الغروب إلى هذه الصخرة و يجلس ينظر إلى طليطلة مهموما و غارقا في تفكيره حتى يسطو الظلام على المدينة التي تضم بين ترابها أميرته التعيسة صبيحة. كان كثيرا ما يحني رأسه إلى صدره و يدخل في نوبة بكاء عميقة.

تدارس أبو الوليد استراتيجية اقتحام طليطلة مع قادته العسكريين و اختار الوقت المناسب لذلك, و حث جنوده على الاستماثة في تحقيق هدفهم و أخبرهم أنه لن يبرح هذا المكان حتى تصبح طليطلة تحت سيطرته. ثم دعا الله أن ينصرهم و يبارك جهودهم و شجاعتهم.

كان القشتاليون من أعلى أبراجهم و أسوارهم داخل طليطلة يرون الأمير المغربي جالسا على الصخرة و حوله الخيم و الجنود. كان هذا المنظر يثير رعبهم خصوصا و أن ملكهم ألفونسو السادس لا يوجد في المدينة حيث غادر قبل مدة قصيرة إلى ليون لحل بعض الأمور المهمة التي تتطلب حضوره شخصيا, و رغم إرسالهم للرسل طلبا له لنجدتهم إلا أن هؤلاء لم يستطيعوا اختراق الحصار الذي يفرضه الجيش المغربي. لكن الملك ألفونسو السادس قبل مغادرته طليطلة كان قد عيّن "السيد القمبيطور" على حامية القصر, و قد عمل هذا الأخير على مباغتة جيش أبي الوليد, هكذا في إحدى الليالي تسلل خلسة في جنح الظلام على رأس عدد كبير من جنوده و عبر النهر و أخذ الجيش المغربي على حين غرة فتبعثرت صفوفهم و من شدة سواد الليل أخذ المغاربة يقاتلون بعضهم.

عند طلوع الفجر, وقف المغاربة على هول الكارثة, و كانت الصدمة الكبرى هي عثورهم على زعيمهم أبي الوليد صريعا فوق الصخرة الكبرى التي لم يبرحها أبدا. كان جسمه المثخن بالجراح دليلا على قتاله ببسالة حتى آخر رمق, و قد اخترق سهم صدره و استقر في قلبه.
في عام 2015  رسم البعض رسومات و خربشات على الصخرة و قد أدان الطليطليون الاعتداء على صخرتهم. 

أمام هذه الضربة القاصمة, رأى قادة الجيش المغربي أنه ليس هناك وسيلة لاستدراك الأمر و أن أفضل ما يمكنهم فعله لإنقاذ ما تبقى من أرواج الجند هو الاستسلام. هكذا تفاوضوا مع السيد القمبيطور الذي سمح للجيش المغربي بالعودة إلى العدوة المغربية. كما سمح بدفن جثمان أبي الوليد تحت الصخرة التي قٌتل عليها حتى يتحقق حلمه في البقاء إلى الأبد في هذا المكان حتى يتأمل, و لو من بعيد, المدينة التي احتضن ترابها جسد حبيبته "صبيحة". لهذا سُميت الصخرة الموجودة على تلة الوادي ب"صخرة الملك المغربي".

لم تنته القصة عند هذا الحد. فبجانب الصخرة يمكن للزائر أن يرى أحجارا موضوعة بعضها فوق بعض, و لو شوهدت من زاوية معينة ستترائى كأنها وجه رجل مغربي يضع عمامة. تفسر الحكاية الشعبية الطليطلية هذا الأمر على هذا النحو: لما عاد الجيش المغربي إلى المغرب و هدأ الوضع في طليطلة, كانت روح الأمير الوليد تخرج كل ليلة من قبرها و تجلس على الصخرة لتتأمل المدينة التي ترقد فيها حبيبته, و ما أن يطلع الفجر يعود إلى قبره. في إحدى الليالي, و قد اقترب طلوع الفجر دعت روح أبي الوليد اللهَ أن يسمح له بالبقاء إلى الأبد هنا و ألا يكون مرغما على العودة إلى قبره عند الفجر, الأمر الذي استجابه له الله و حوله إلى حجارة.

 الأحجار على شكل رأس أبي الوليد يضع عمامة.

وجه أبي الوليد حسب الأسطورة الطليطلية.

صلة الرحم بالأندلس.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق