الأحد، 11 يونيو 2017

مقال "الشتات المورسكي"للباحثة الإسبانية مرثيدس أرينال

مقال "الشتات المورسكي"للباحثة الإسبانية مرثيدس أرينال

هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالأندلس. 
الياحثة الإسبانية مرسيدس غارسيا أرينال.
مقال "الشتات المورسكي" للباحثة الإسبانية غارسيا مرثيدس أرينال. 
ترجمة موسوعة الأندلس.

يُعَدُّ طردُ المورسكيين ما بين 1609 و 1614 واحدا من أهم الفصول و أعظمها تبِعاتٍ ديمغرافية, اقتصادية و إيديولوجية في شبه الجزيرة الإيبيرية خلال أوائل العصر الحديث. من وجهة نظر حركة السكان, نزوح المسلمين من شبه الجزيرة الإيبيرية نحو شواطئ البحر المتوسط ليس سوى آخر و أكثر فصل إثارةً في سلسلة طويلة بدأت في القرن الثالث عشر ميلادي مع الفتوحات المسيحية الكبرى في منطقة الوادي الكبير و بلنسية و التي استمرت حتى القرن الخامس عشر مع فتح مملكة غرناطة, مع تدفقٍ مستمر طيلة القرن السادس عشر خصوصا خلال حرب البشرات ما بين 1569-1571, و هكذا وصولا إلى الفصل المؤلم المتعلق بترحيل القرن السابع عشر. جميع هؤلاء المهاجرين و المطرودين, بمن فيهم المورسكيين, عُرفوا في البلدان التي استقبلتهم باسم "الأندلسيون". 



نتج عن هذه الإجراءات المُريعة المتخذة ما بين 1609 و 1614 طرد ما يقرُبُ جميع المورسكيين الإسبان, أي حوالي 300 ألف شخص, نحو أراضي الإسلام الشمال إفريقية و العثمانية. بينهم 70 إلى 100 ألف ينحدرون من أندلوسيا و إكستريمادورا, ذهبوا للاستقرار بالمغرب الأقصى. لقد تم إنزالهم في سبتة و طنجة, و أيضا في تطوان و الحسيمة. استقروا للوهلة الأولى حيثما أتيح لهم قرب هذه المدن, متجنبين التوغل داخل البلاد, بينما حاول الكثير منهم المكوث في المناطق الإسبانية (شمال المغرب) أو محاولة العودة لشبه الجزيرة.

لفهم قدوم و استقرار هؤلاء المورسكيين في المغرب الأقصى, من الضروري الأخذ في الاعتبار بعض الظروف التي كانت تحيط ببلد الاستقبال.

أولا, يُعد المغرب الأقصى استثناءا في شمال إفريقيا حيث حافظ على استقلاله أمام الامبراطورية العثمانية. في بداية القرن السابع عشر كان يشغل تقريبا نفس الرقعة الجغرافية التي توجد فيها المملكة اليوم و التي تم تخطيطها قبل ذلك في العصر الوسيط. وَضعت السلالات المتعاقبة على حكم المغرب على  الدوام مركز قرارها في فاس؛ لكن المرابطين و الموحدين المنحدرون من جنوب البلاد أسسوا عاصمة جديدة هي مراكش.  كان الموحدون على وعي بأن هذه العاصمة بعيدة أكثر من اللازم عن مركز امبراطوريتهم الكبرى, فشرعوا في تشييد العاصمة الثالثة, الرباط, التي لم يتكمنوا من إتمامها. لقد بدأتُ بتعداد هذه المراكز الحضرية لأن هذه المدن كانت تُجسِدُ السلطة السياسية المسلمة في البلاد و أيضا لأن غالبية المورسكيين سيستقرون في المدن و المناطق السياسية و الاجتماعية الحضرية. عندما طُرِدوا, كان البرتغاليون و الإسبان يحتلون المدن الساحلية المغربية: سبتة, مليلية, طنجة, أصيلة, المعمورة و العرائش. هكذا إذن, كان على المغرب الدفاع عن نفسه من الإسبان و البرتغاليين من جهة, و من جهة أخرى من العثمانيين المستقرين في تونس و الجزائر. سياسيا, كانت البلاد في بداية القرن السابع عشر مشرذَمة  بفعل صراعات أهلية يتزعمها أمراء يتطلعون إلى عرشٍ بقي شاغراً بعد موت أحمد المنصور السعدي عام 1603, و هو السلطان الذي هَزَمَ البرتغاليين في معركة القصر الكبير (وادي المخازن) عام 1578 و فتح السودان عام 1591. وِفقَ نظام الحكم التقليدي, كانت سلطة السلالة السعدية التي تمتلك "السلطة المركزية" تحكم بشكل مباشر الحواضر و ضواحيها, و بشكل غير مباشر الكونفدراليات القبلية في المناطق القروية. هذه الهيمنة غير المباشرة كانت تتم عبر إرساليات منتظمة للجيش الذي كانت له أيضا مهام سياسية و جبائية في غاية الأهمية. لقد اندمج المورسكيون في الفضاء السياسي للمدن و أيضا في هذا الجيش الداخلي الذي كان أداة حكم السلاطين, و قد كان في هذه الفترة وسط أتون حرب أهلية بين مرشحين للعرش. شكل المورسكيون, إلى جانب غيرهم من الأجانب كالعلوج و العبيد (السود القادمين عموما من إفريقيا جنوب الصحراء) فِرقاً خاصة في الجيش المغربي. دفعت الحاجة لكبح الأطماع العثمانية و الإسبانية السلطات لوضع المورسكيين في المناطق الساحلية المواجِهة للخطر: لقد عَهِدَ المغرب للمورسكيين بجزء كبير من نشاطه البحري الخارجي. هكذا لعبوا دور "رجال الحدود". 


عندما وصل المورسكيون إلى المغرب, اندمجوا في البداية كفئة اجتماعية أجنبية الأصل و اتحدوا أساسا مع الأوربيين المعتنقين للإسلام أو "العلوج". كان هؤلاء يشكلون في البلاد المغاربية فئة مهمة جدا تكاد تستأثرُ, باسم الأتراك, بالسلطة السياسية, في ولايات الجزائر, تونس و طرابلس. في المغرب الأقصى, كانت تُشكل طبقةً عسكرية في غاية الأهمية بفعل تواجدها في الجيش و التجارة الخارجية و في كل جوانب القرصنة, بما فيها أسر و بيع الأسرى, ما كان يعني حيازة ثروة هائلة.  لقد تقمَّص المورسكيون كل ذلك. فعلى غرار العلوج, نجدهم في الجيش و القرصنة, و نجدهم سفراءا و مترجمين. كما كانوا على علاقة وثيقة بالمجموعات الاجنبية الأخرى, كعابري السبيل الأجانب و اليهود. لقد جمعت العديد من القواسم المشتركة بين اليهود المغاربة و المورسكيين: كالاندماج في الوسط الحضري, الأنشطة التجارية و خصوصا عتق الأسرى, كونهم مختلفون و كذلك الأصل الإسباني. لكن عكس اليهود الذي ظلوا مجموعة على هامش المجتمع المسلم بسبب دينهم و عكس العلوج الذين بقوا مجموعة متميزة لأصلها الأجنبي و ثقافتها الأوربية, كان المورسكيون ينصهرون أكثر فأكثر في المجتمع و ذلك بمساعدة من الاندلسيين المهاجرين في العصور السابقة و الذين تمغربوا بشكل كامل بالرغم من وعيهم الشديد بأصلهم و اعتزازهم به.

 كما قلنا سابقا, دخول المورسكيين إلى المغرب الأقصى تم أساسا من خلال الهياكل الحضرية للبلاد و في المناطق الخاضعة لمراقبة السلطة المركزية. غير أنه توجد حالتان تم فيهما دخول المورسكيين إلى مدن شكل فيها الأندلسيون غالبية ساحقة و استقلوا بها شكليا عن الهياكل السياسية للمغرب الأقصى. و نقصد هنا حالة تطوان و نواحيها و حالة الرباط - سلا, و في كلتا الحالتين يتعلق الأمر بمركزين حضريين يتوفران على ميناء (و هي أهم ما تبقى بيد المغاربة) ينشط أهلهما في النشاط البحري بسبب انعزالهم  عن باقي التراب المغربي بسبب الوضع الجغرافي - كما في حالة تطوان التي تحجبها جبال الريف عن باقي المغرب- أو الحروب التي كانت حولها, و في كلتا الحالتين كانتا بعيدتان عن العاصمتين فاس و مراكش.

كانت تطوان واحدة من المرافئ القليلة التي نجت من احتلال البرتغاليين و الإسبان, ربما بسبب هدمها من طرف إنريكي الثالث القشتالي عام 1399. ظلت المدينة مقفرة من السكان لأزيد من قرن حتى بداية القرن السادس عشر حين أُعيدَ بناءها و تحصينها من طرف غرناطيين هاجروا بعد حرب غرناطة و إصدار قرار التنصير لعام 1502. تحت قيادة غرناطي شهير يُدعى المنظري, حليف و محمي شخصية محلية في شفشاون يُدعى ابن راشد, ستتحول تطوان إلى ملجئٍ و مُستقرٍ للمورسكيين, فكانت لها تقريبا سيادة مطلقة, و تخصصت في القرصنة, التجارة, و بيع الأسرى. 

في تطوان, الخط الأمامي للمواجهة بين إسبانيا و الإسلام, بدا جليا دور المورسكيين ك"رجال الحدود" و كانت الاصطفافات الدينية أكثر بروزا. في هذا الإطار, نملك شهادات لهجمات ضد السواحل و السفن في شبه الجزيرة الإيبيرية و لمورسكيين مسيحيين هوجِموا و ماتوا في تطوان على يد مورسكيين آخرين. اختلفت درجات التشبع بعادات المجتمع المسيحي أو المسلم بين المورسكيين, و قد سبب هذا التفاوت أحيانا نزاعات في بلدان الاستقبال.

أما بالنسبة لمدينتي الرباط - سلا على ضفاف نهر أبي رقراق, الرباط على الضفة اليسرى, و سلا على الضفة اليمنى, فقد كانت لهما سيادة مطلقة مستقلة عن السلطة المركزية. لقد شكل مورسكيو إكستريمادورا (الأورناتشوس أصحاب الشهرة)و أندلوسيا  نوعا من الجمهورية, بحيث كونوا حكومة من 12 فردا و عمدتين ينتخبان سنويا, في تشكيل يشبه تشكيل البلديات القشتالية و الإيالات و المجالس التركية بالمدن البحرية الاخرى, خصوصا الجزائر. لقد تخصصوا في التجارة و القرصنة و حافظوا على كيانهم مستقلا حتى حدود عام 1668.

في الجزائر أيضا, تم دمج المورسكيين المطرودين, خاصة من بلنسية و أراغون, في المراكز الحضرية بتلمسان, شرشال, مستغانم و أرزو, و جميعها مناطق ساحلية شغلوا فيها لوحدهم أحياءا بكاملها. غير أن أغلب المورسكيين انتهى بهم المطاف إلى الجزائر العاصمة,و هي مدينة غنية, مختلطة الأجناس و صاخبة, لها أهمية قصوى في البحر المتوسط خلال القرن السابع عشر, و قد ساهم المورسكيون في توسيع حيزها الحضري, كما ستقروا في المناطق الفلاحية المتاخمة للعاصمة. لقد شكلوا مجموعة اجتماعية مهيكَلة و مختلفة.

أما المجموعة الأكثر اتحادا فقد شكلها حوالي 100 ألف مورسكي قدِموا إلى تونس, و هي مجموعة تتكون أساسا من الأراغونيين, مع بعض البلنسيين و القشتاليين. لقد أحسن الداي عثمان التركي استقبالهم فقد رأى فيهم منافع اقتصادية و سياسية كثيرة. فالإيالات التركية كانت عبارة عن طبقة عسكرية أجنبية تحكم شعبا من السكان الأصليين, فكانت هذه الإيالات في حاجة لمجموعة وسيطة بينها و بين الساكنة المحلية, و أيضا كوسيلة للحصول على الشرعية التي كانوا يجدونها في خوض الحرب المقدسة ضد الكفار و حماية المسلمين منهم. استقر المورسكيون في أحياء بعينها خُصصت لهم في العاصمة تونس. كما أنهم أنشأوا و وسعوا بلدات في المناطق الفلاحية حيث استقروا كفلاحين و بستانيين. كان هذا هو الوضع في الراس الطيب و وادي مجردة حيث عمروا بلدات لازالت تعتبر نفسها اليوم أندلسية: كتستور, قلعة الأندلس, سليمان, قرمبالية, بنزرت و غيرها. ساهم وجود المورسكيين في تونس في ازذهار و تجديد الفلاحة و الصناعات التقليدية الحضرية. تونس هو البلد الذي حفظ فيه الأندلسيون حتى أوقات قريبة هويةً مُحدَدةً و منفصلة.

و في الختام, ينبغي الأخذ في الاعتبار أن جماعات أقل عددا تفرقت في جميع المناطق العثمانية في البحر المتوسط (سوريا, مصر, يوغوسلافيا), و خصوصا في العاصمة اسطنبول. لكنهم لم يبلغوا في أي واحدة من هذه المناطق عددا يمكنهم من خلق جماعة متماسكة و متميزة المعالم, لهذا لا نعرف عنهم الكثير و من الصعب تحديد أماكنهم.

هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالأندلس. 

هناك 4 تعليقات:

  1. لم تشهد أية منطقة أو بقاع في العالم العدد من الهجرات الأندلسية و الموريسكية كما شهدتها شمال افريقيا و كانت الجزاىر تلمسان و تونس القيروان و المغرب فاس من أكثر المناطق التب شاهدت أكبر عدد من الهجرات الأندلسة التي جاوزت الملايين ثم الملايين من المهاجرين الأندلسيين

    ردحذف
    الردود
    1. الملايين ؟
      من أين لك هذا؟
      كنت معهم؟

      حذف
  2. المقال بدون وثائق لذلك الا يمكن اعتباره عمل علمي ، بل هو كلام انشائي لا اكثر

    ردحذف
  3. السلام عليكم ممكن نزويدنا بالمقال الأصلي بالاسبانية

    ردحذف