الاثنين، 1 سبتمبر 2025

القصة الغريبة للمغربي علي بن محمد البوفراحي الذي استقر في إسبانيا عام 1948

القصة الغريبة للمغربي علي بن محمد البوفراحي الذي استقر في إسبانيا عام 1948 



بقلم هشام زليم

القصة الغريبة للمغربي علي بن محمد البوفراحي (Alí Ben Mohamed Buifrahi) الذي بقي في إسبانيا عام 1948 و قام بشيء لا يمكن تصوره بدافع حبه لإسبانية تٌدعى  أكويلينا كاسترو (Aquilina Castro)

و هو ترجمة لمقال إسباني ورد في صحيفة El Día de León الإسبانية بتاريخ 20 ماي 2017 للصحفية الإسبانية

 Vanessa Silvan فانيسا سيلفان. 

تفاصيل القصة جرت خلال فترة الاستعمار الإسباني لشمال المغرب ما بين 1912 و 1956 حيث كانت إسبانيا تجند المغاربة للقتال في إسبانيا خلال الحرب الأهلية ما بين 1936 و 1939 و ما تلاها من مواجهات بين نظام فرانكو الحاكم و فلول النظام الجمهوري الإسباني المُنهار.

ترجمة المقال:


علي، المغربي moro الذي بقي بدافع الحب

هذا الجندي المغربي وصل إلى إقليم البيرثو (El Bierzo) شمال غرب إسبانيا سنة 1945 لمحاربة رجال المقاومة الإسبان المناوئين لنظام فرانكو، لكنه ترك الجيش الإسباني واعتنق المسيحية بعدما وقع في حب شابة من منطقة البيرثو تُدعى أكويلينا كاسترو (Aquilina Castro).

لم يعرف حبهما حواجز ثقافية ولا دينية، ولم يكن اختلاف اللغة ولا الأحكام المسبقة في إسبانيا الخارجة لتوّها من الحرب الأهلية عائقًا أمامهما. فقد تمكّن الجندي المسلم علي بن محمد البوفراحي (Alí Ben Mohamed Buifrahi) والشابة الإسبانية أكويلينا كاسترو (Aquilina Castro) من تجاوز كل تلك العقبات، و أسسا أسرة على يقين راسخ بالمحبة التي جمعتهما.

كان هذا الشاب، المنتمي إلى الطابور الثاني من فرقة الحُسَيْمة رقم 5 (Segundo Tabor de Alhucemas n.º 5)، قد وصل إلى البيرثو (El Bierzo) سنة 1945. ووفقًا لما أورده المؤرخ دييغو كاسترو (Diego Castro)، فقد أُرسلت كتيبته إلى بلدة بونفيررادا (Ponferrada) شمال غرب إسبانيا، وحين وصلت إلى الإقليم تفرّقت وحداته في مختلف المناطق: فبعضهم استقر في عاصمة إقليم البيرثو (El Bierzo)، وآخرون في تورال دي لوس بادوس (Toral de los Vados)، وآخرون في بيّافرنكا (Villafranca)، وغيرهم في بيمبيبره (Bembibre) أو كاثابيلوس (Cacabelos). وكان مقرهم العسكري قائمًا في جادة إسبانيا (Avenida de España) – وكانت تُعرف آنذاك بشارع الكابتن لوسادا (Capitán Losada) – حيث توجد اليوم حلويات بيلي (Confitería Pili). وإلى جانب مهامهم العسكرية، أُوكل إلى فصيلهم العسكري أيضًا اقتلاع بعض الهكتارات من كروم العنب تمهيدًا لبناء المحطة الحرارية في كومبوستيّا (Central Térmica de Compostilla).

وهكذا، في أحد الأيام، التقى علي بأكويلينا كاسترو (Aquilina Castro)، وهي شابة  من البيرثو (El Bierzo) ذات أصول أشتورياسية تنحدر من بلدة بيمبيبره (Bembibre) – حفيدة الصانع الحرفي الشهير في المنطقة بيبون إل كاتشاريرو (Pepón El Cacharrero) – فأسرت قلبه سريعًا. ومع هذا التحوّل الجديد في حياته، وقد أضناه طول البقاء في الجيش، قرر علي (Alí) أن يأخذ عطلة ويسافر إلى تطوان (Tetuán) شمال المغرب، عازمًا على طلب تسريحه بعد اثني عشر عامًا من الخدمة، وذلك سنة 1948. وكما يذكر المؤرخ كاسترو (Castro)، فقد كان علي قد ضاق ذرعًا بالحرب، وما جرّته من سنين موتٍ طويلة حرمته من متعة طفولته. وفي العام نفسه نال إذن التسريح من الجيش، لكنه بما أنّه قدّم استقالته طواعية، «لم يحصل على أي معاش».

عاد علي (Alí) إلى بونفيررادا (Ponferrada) وتزوج من أكويلينا كاسترو (Aquilina Castro). كان ذلك في سنة 1949، وعمره آنذاك ثمانية وعشرين عامًا. لم يكن الطريق سهلاً، إذ وجد معارضة من بعض الأطراف، مثل كاهن كنيسة بازيليكيا لا إنسينا (Basílica de la Encina)، الذي لم يوافق على زواج مسلم متحوّل إلى المسيحية – إذ تم تعميده في الكنيسة القديمة لسان بيدرو (Iglesia de San Pedro) – من امرأة كاثوليكية. وكان علي يشتكي للمؤرخ دييغو كاسترو قائلاً: «لقد سال دمي دفاعًا عنهم، ومع ذلك لم يريدوا أن يسمحوا لي بالزواج».

وفي النهاية، وبواسطة أسقف أستورغا (Obispo de Astorga)، نال الترخيص اللازم لإتمام الزواج، وتمكن علي وأكويلينا من أن يقول كلٌّ منهما للآخر: «نعم، أقبل».

حينئذٍ كان على علي (Alí) أن يجد عملًا جديدًا. فعَمَل بوابًا في فندق مدريد (Hotel Madrid) في بونفيررادا (Ponferrada)، وعُيّن موظفًا في بناء المحطة الحرارية في كومبوستيّا (Central Térmica de Compostilla)، ومثل مئات أبناء البيرثو (El Bierzo)  الآخرين، اضطر للهجرة إلى سويسرا (Suiza) حوالي سنة 1960، حيث عمل كعامل بناء وموظف صناعي.

لم يمكثوا بعيدًا طويلًا، ففي سنة 1966 عادوا إلى إسبانيا وأطلقوا مشروع مصبنة آكي (Lavandería Aki) في شارع إلاديا بايلينا (Calle Eladia Baylina)، حيث تقاعد علي بعدها. لقد كانت منطقة البيرثو (El Bierzo) موطن علي الحقيقي، وهناك رقد بسلام بعد وفاته سنة 2010 عن عمر ناهز 88 عامًا، مع بقاء ذكراه حيّة في ذاكرة زوجته أكويلينا (Aquilina) التي ما زالت تعيش في منطقة دييزاس (Dehesas)، رفقة ابنها من علي وحفيدهما.

قصة علي بن محمد البوفراحي من مدينة الناظور المغربية إلى البيرثو الإسبانية

لكن الشاب علي (Alí) اضطر أن يمرّ بسلسلة طويلة من المصاعب ليصل إلى البيرثو (El Bierzo)، قادمًا من بلدة آيت توزين (Beni Touzin) مسقط رأسه، تلك القرية الصغيرة في مقاطعة الناظور (Provincia de Nador) في المغرب الواقع آنذاك تحت الحماية الإسبانية (Protectorado Español de Marruecos)، حيث وُلد يوم 10 أكتوبر 1921 في عائلة متواضعة في قلب سلسلة جبال الريف (Cordillera del Rif).


ويذكر المؤرخ دييغو كاسترو (Diego Castro): «عندما كان عمره خمس سنوات، فقد والديه وأصبح يتيمًا، وبعد وفاة والديه – الذين بالكاد يتذكرهما – انتقل هو وأخوه الأصغر للعيش مع خالته، المقيمة في نفس مدينة الناظور».

وعندما كان عمره لا يتجاوز خمسة عشر عامًا، انجذب علي (Alí) للقيام بأول رحلة إلى إسبانيا (España) في مايو 1936 (المترجم: أي قُبيل اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية بشهرين). يروي المؤرخ دييغو كاسترو (Diego Castro) قائلا: «في ما يشبه ساحة عامة على غرار ساحة الأجورا agora، قرب السوق الكبير في بني توزين (Beni Touzin)، كان سرب من الجنود الإسبان يطلب متطوعين شباب للقيام برحلة إلى إسبانيا. وقد وعدوهم بعطلة كاملة مجانية في شبه الجزيرة، فالتزم علي وشبان آخرون، الذين لم يكن لديهم ما يخسرونه وربما أرادوا الهروب للحظات من البؤس السائد في شمال إفريقيا، وقرروا المشاركة دون تردد».

ويضيف المؤرخ أن إقامة علي في مالقة جنوب إسبانيا (Málaga) كانت «رائعة»، مع «ساعات طويلة في النُزُل والحانات، وموائد احتفالية واحتفالات صاخبة، وترفيه في الحدائق والمراجيح». كانت تجربة لا تُنسى لمجموعة من الشباب المغربي المتواضع الذين لم يغادروا بيوتهم من قبل.

وهكذا، كان من السهل جدًا أن يعود علي (Alí) بعد شهر فقط، في أواخر يونيو، ليجد نفسه مجددًا أمام سرب من الجنود في السوق، الذين كانوا يطلبون مرة أخرى متطوعين شباب للقيام برحلة جديدة إلى إسبانيا (España). يروي المؤرخ دييغو كاسترو (Diego Castro) قائلا: «عندما وصلوا إلى تطوان (Tetuán) وكانوا ينتظرون لحظة الإبحار إلى إسبانيا كما في المرة السابقة، ظهر لهم ملازم وقال لهم بجدية: لم تعد هناك عطلة».

ويضيف كاسترو أن الشباب تم نقلهم حينها إلى ما يشبه معسكرًا عسكريًا (campamento militar) يضم مئات الشباب المغربي، حيث تم تزويدهم بزِّي فرق الريغولارس (Regulares) في شمال إفريقيا وبكل المعدات الأخرى، التي كانت تتألف أساسًا من بندقية ماوزر إسبانية (fusil Mauser español) بسعة خمسة طلقات، حزام ذخيرة يحتوي على 150 طلقة، أربع قنابل يدوية، وبطانية للنوم ليلاً أو للحماية من البرد والمطر.

خضع هؤلاء الشباب لتدريب عسكري مكثف استمر لشهر، وفي أوائل أغسطس 1936 - و كانت الحرب الأهلية الإسبانية قد اندلعت- تم نقلهم بالطائرة إلى مكان ما في إكستريمادورا (Extremadura).

هناك دخل علي (Alí) للمرة الأولى في المعارك، داعمًا قوات الجنرال ياغوي (General Yagüe) الثائر ضد نظام الجمهورية. وبعد أن تمكّن من السيطرة على بطليوس (Badajoz) وماردة (Mérida)، واصلت وحدة علي تقدمها نحو العاصمة مدريد (Madrid)، بعد أن أصبح جزءًا من الفرقة الرابعة من نافارا (Cuarta División de Navarra) بقيادة المغربي  أمزيان (Mizzian)، الذي يكن له علي إعجابًا كبيرًا.

ويذكر المؤرخ دييغو كاسترو (Diego Castro) أن علي كان يقول إن المعارك في مدريد كانت شرسة جدًا، وخصوصًا في منطقة كارابانشيل (Carabanchel). وبعد عدة أشهر، واصل رحلته على جبهات وادي الحجارة (Guadalajara) وتيرويل (Teruel)، حتى شارك في المعركة الحاسمة على نهر إيبرو (Ebro)، وقد أُصيب خلالها مرتين.

بعد انتصار الجنرال فرانكو (Franco) في فاتح أبريل 1939، تم استدعاء علي لمحاربة المقاومة الإسبانية ضد النظام الفرانكوي، أولًا في أستورياس (Asturias)، ثم بعد سنة قضاها في مدريد في خدمة أمن فرانكو في إل باردو (El Pardo)، ليخدم بعد ذلك في منطقة البيرثو (El Bierzo).

يؤكد علي أنه لم يشارك أبدًا في أي إعدام، سواء أثناء الحرب أو بعدها. ويضيف: «لا أقصد بذلك أن الإعدامات لم تحدث، ولكنني أريد الدفاع عن تصرف فرقتي على وجه الخصوص. لم نكن وحوشًا، وقد يكون حدث بعض التجاوزات، لكنها كانت حالات معزولة فقط».







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق