قصة مدينة مكة Mecca الأمريكية قصة وصول تمر” المجهول” المغربي إلى كاليفورنيا
بقلم هشام زليم.
في هذا المقال سنتعرف على قصة مدينة تحمل اسم مكة في الولايات المتحدة الأمريكية, سنتعرف على علاقتها بمكة المكرمة في الحجاز و أيضا عن علاقتها بتمور المجهول المغربية أو كما يُطلق عليه في كاليفورنيا Medjool.
فتابعوا معنا المقال حتى النهاية.
اسم مكة Mecca يثير الفضول… كيف وصلت قدسية المكان الأشهر في العالم الإسلامي إلى هذه الصحراء الأمريكية؟ ومن هم الذين اختاروا لهذه البلدة الصغيرة هذا الاسم المهيب؟
في قلب صحراء كاليفورنيا، بعيداً عن مكة المكرمة في الحجاز…و تحديدا في وادي كواتشيلا – Coachella Valley، جنوب ولاية كاليفورنيا، ضمن مقاطعة Riverside, هناك بلدة صغيرة تحمل اسم : مكة – Mecca.
بدايات البلدة
تمور المجهول بين المغرب وكاليفورنيا: حكاية ذهبية عبر الأطلسي
حينما تُذكَرُ التمور الفاخرة في العالم، لا يمكن إغفال اسم "المجهول" أو Medjool، الذي يلقب أحيانًا بـ ملك التمور. لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن قصة هذا التمر الفريد تحمل في طياتها أسرارًا تاريخية وجسورًا ثقافية ممتدة بين المغرب وولاية كاليفورنيا الأمريكية.
من واحات المغرب إلى صحراء كاليفورنيا
تنتمي تمور المجهول إلى أصول مغربية أصيلة. فقد نشأت في واحات تافيلالت جنوب شرق المغرب، حيث كان المناخ الصحراوي الحار والجاف مع مياه الواحات العذبة بيئة مثالية لهذا النوع النادر. وكان المغاربة يعتبرونه ثروة ثمينة، يقدم في المناسبات الكبرى كرمز للكرم والضيافة.
لكن في بدايات القرن العشرين، ضربت آفة فطرية بساتين النخيل في المغرب، وهددت بانقراض هذا النوع من التمور. في تلك الفترة، لجأت السلطات المغربية إلى البحث عن سبل لإنقاذه. وهنا تدخل الأمريكيون: ففي سنة 1927، أرسل خبراء زراعيون أمريكيون بعثة إلى المغرب، وحصلوا على أغراس من نخيل المجهول، ليتم نقلها بعناية عبر المحيط الأطلسي وزرعها في مناطق شبيهة بمناخ المغرب، خاصة في كاليفورنيا وأريزونا.
نجاح المجهول في أرض جديدة
ما إن استقرت أغراس المجهول في وادي Coachella Valley بكاليفورنيا و تحديدا في منطقة مكة Mecca حتى وجدت نفسها في أرض تشبه كثيرًا واحات تافيلالت: حرارة عالية، شمس قوية، وتربة رملية خصبة. سرعان ما ازدهرت أشجار النخيل، لتتحول كاليفورنيا إلى واحدة من أكبر منتجي تمور المجهول في العالم.
واليوم، يُصدّر المجهول من كاليفورنيا إلى مختلف القارات، وتباع ثماره بأسعار مرتفعة باعتباره "تمر النخبة"، حيث يجمع بين الطعم العسلي الفاخر، الحجم الكبير، والملمس الطري الذي يذوب في الفم.
العلاقة العاطفية مع المغرب
ورغم أن أمريكا تُفاخر اليوم بتمورها من نوع المجهول، فإن المغاربة لا يزالون يعتبرون هذا التمر جزءًا من تراثهم العريق. ففي الجنوب المغربي، يظل المجهول حاضرًا في الأسواق والمواسم، ويرتبط بذاكرة جماعية قديمة.
والمفارقة أن كثيرًا من الأمريكيين الذين يشترون تمر المجهول من المتاجر الكبرى لا يعلمون أنه ثمرة جسر تاريخي بدأ من واحات المغرب. بل إن بعض المزارع الأمريكية لا تزال تذكر في سجلاتها أن أصل أغراسها الأولى جاء من "Tafilalt, Morocco".
البعد الاقتصادي والثقافي
تحوّل المجهول إلى رمز للتبادل الزراعي والثقافي بين المغرب وأمريكا. فالمغرب كان مهد هذه الثمرة النادرة، وأمريكا أنقذتها من الانقراض وجعلتها منتجًا عالميًا. واليوم، يستثمر البلدان في تحسين جودة الإنتاج: المغرب بواحات تافيلالت والرشيدية وزاكورة، وأمريكا في ولايات كاليفورنيا ونيفادا وأريزونا.
حتى أن بعض الباحثين يسمون قصة المجهول بـ"الهجرة الذهبية"، لأنها تمثل رحلة ثمرة عبر الأطلسي، جمعت بين حضارتين، وحافظت على نكهة مشتركة يتذوقها الملايين حول العالم.
ملك التمور بلا منازع
السر وراء شهرة المجهول عالميًا يكمن في مميزاته:
-
حجمه الكبير الذي قد يعادل إصبعين.
-
قشرته الرقيقة ولبه الكثيف.
-
طعمه الممزوج بين العسل والكراميل.
-
قيمته الغذائية العالية من سكريات طبيعية، بوتاسيوم، وألياف.
ولهذا السبب أصبح "المجهول" حاضرًا في الأسواق العالمية كرمز للترف والجودة، ويباع في متاجر فاخرة في باريس ونيويورك وطوكيو.
جسر من النخيل بين المغرب وأمريكا
قصة تمر المجهول ليست مجرد حكاية زراعة، بل هي رحلة حضارية، تختصر كيف يمكن لثمرة صغيرة أن تصبح سفيرا بين الشعوب. من واحات المغرب خرجت فسائل المجهول، لتجد وطنًا جديدًا في صحاري كاليفورنيا و تحديدا منطقة مكة Mecca. واليوم، بينما يتلذذ العالم بهذا الطعم الذهبي، يبقى المغرب هو الجذر والأصل، وكاليفورنيا الامتداد الذي حمل هذا الإرث إلى آفاق كونية.
إنها قصة نخلة مغربية صارت عالمية... لكنها، في وجدان المغاربة، ستظل دائمًا تمرة الوطن.
في ختام هذا الفيديو أود الإشارة إلى نقطة مهمة و هي أن المستكشف المغربي مصطفى الأزموري المعروف في أمريكا بإستبانيكو خلال رحلته الأمريكية ما بين 1528 و 1539 مر بالقرب من موقع مدينة مكة الكاليفورنية الحالية. فهل يمكن أن يكون له دخل في زراعة تمر المجهول في المنطقة.
دمتم بخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق