الاثنين، 1 سبتمبر 2025

العلاقة الصادمة بين نافورة السباع في قصر الحمراء الغرناطي و حوض “البحر النحاسي” في هيكل سليمان

العلاقة الصادمة بين نافورة السباع في قصر الحمراء الغرناطي و حوض “البحر النحاسي” في هيكل سليمان

بقلم هشام زليم




في هذا المقال سنتعرف على العلاقة المزعومة التي تجمع بين نافورة الأسود في بهو السباع في قصر الحمراء في غرناطة الأندلسية و هي النافورة المثبتة على ظهور اثني عشر أسدا  و حوض "البحر النحاسي" الذي يُزعَمُ أنه كان موجودا في معبد سليمان في القدس الشريف و هو الحوض المُثبت على ظهور اثني عشر ثورا يمثلون قبائل بني إسرائيل الإثني عشر.

في هذ المقال المكون من ثلاثة محاور, سنتعرف أولا على حوض "البحر النحاسي" الذي يُزعَمُ أنه كان موجودا في معبد سليمان ثم سنتحدث عن نافورة الأسود في غرناطة و سنكشف السر الصادم المتمثل في الشخصية التي يُزعمُ أنها شيدت النافورة الأندلسية التي تمثل اليوم إحدى أيقونات الآثار على المستوى العالمي. كما سنتعرف عن القصيدة المخفية التي كتبها مشيد هذه النافورة الأندلسية. فهل تكون هذه النافورة رمزا لرسالة مخفية ينخدع الزائر لقصر الحمراء في قراءتها؟

في نهاية المقال سنكشف أمرا قد ينسف علاقة نافورة غرناطة بحوض هيكل سليمان و ربما قد يعززها و ذلك حسب معتقد و رأي كل مشاهد.


المحور الأول: حوض "البحر النحاسي" في معبد سليمان 



في البداية, معبد أو هيكل سليمان، المعروف أيضاً باسم "الهيكل الأول" (بالعبرية: בית ראשון، بايت ريشون)، هو معبد مذكور في النصوص التوراتية يُعتقد أنه شيد في القدس بين القرن العاشر والقرن السادس قبل الميلاد. تستند أوصاف هذا المعبد بشكل رئيسي إلى روايات الكتاب المقدس العبري، حيث يُنسب بناؤه إلى الملك سليمان، قبل أن يُدمَّر أثناء حصار نبوخذ نصر الثاني ملك الإمبراطورية البابلية الحديثة للقدس عام 587 قبل الميلاد.

كان يوجد في هيكل سليمان بحسب الكتب اليهودية المقدسة، حوض يسمى"البحر المصهور" أو "البحر النحاسي" (بالعبرية: ים מוצק، أي "البحر المصبوب") عبارة عن حوض كبير في فناء الهيكل مخصص لغسل وتطهير الكهنة. ويوصف في إصحاحات سفر الملوك الأول و سفر أخبار الأيام الثاني. 





كان هذا الحوض يستند على ظهور اثني عشر ثورًا نحاسيًا تمثل قبائل أو أسباط بني إسرائيل الإثني عشر, و هم : رأوبين، شمعون، لاوي، يهوذا، زبلون، يساكر، يوسف، بنيامين، دان، نفتالي، جاد، وأشير. أي أبناء النبي يعقوب عليه السلام المعروف بإسرائيل.

و قد دُمرَ هذا الحوض حين تدمير الهيكل على يد الامبراطورية البابلية.

المحور الثاني: نافورة الأسود في بهو السباع في قصر الحمراء

إحدى الصور الأكثر التقطاً من قِبل السياح في غرناطة هي بلا شك صورة نافورة الأسود في قصر الحمراء. ووفقاً لبعض الروايات، فإن هذه النافورة تعود إلى زمنٍ أقدم من قصور المملكة النصرية التي حكمت مملكة غرناطة المسلمة ما بين 1232 و 1492 م ، ويُقال إن نافورة الأسود كانت في الأصل جزءاً من مقر الإقامة الذي كان يملكه الوزير و العالم التلمودي اليهودي القوي في طائفة مملكة غرناطة ابن نغرِيلة المزداد عام 993م و المتوفى عام 1056م.  و اسمه الكامل شموئيل اللاوي بن يوسف الناجيد . و كانت النافورة فوق تلة السبيكة Sabika حيث يوجد قصر الحمراء اليوم، و هذه التلة مطلة على حي المورور Mauror، أي الحي اليهودي، وذلك في القرن الحادي عشر.



و قد وصف الفيلسوف و الشاعر اليهودي الأندلسي أبي أيوب سليمان بن يحيي بن جبيرول المزداد عام 1021 و المتوفى عام 1058م هذه النافورة في قصيدة بالعبرية هذه ترجمة مطلعها:

هناك بركة فيّاضة تشبه
بحرَ سليمان،
لكنها لا تستند إلى ثيران،
بل إلى هيبة الأسود،
القائمة عند حافتها،
كأنها أشبال تزأر طمعاً في فريسة.

ومن أحشائها، كينابيع،
تتفجر المياه،
فتجري من أفواهها سيولاً كالأودية.

لكن نافورة السباع الموجودة اليوم تحمل أبياتا للوزير و الشاعر الأندلسي ابن زمرك المزداد عام 1333م و المتوفى عام 1392م و قد نقشت أبياته على حافة الحوض, جاء في مطلعها: 

تبارك من أعطى الإمام محمداً *** مغاني زانت بالجمال المغانيا

يقصد السلطان الغرناطي محمد الخامس المزداد عام 1339م و المتوفى عام 1391م و هو السلطان الذي يٌنسبٌ إليه تشييد بهو الأسود في قصر الحمراء.

المحور الثالث: اكتشافات أركيولوجية صادمة

في العقود الأخيرة قامت عمليات ترميم  للنافورة الغرناطية الشهيرة، و قام الخبراء بتأريخها في القرن الرابع عشر ميلادي، أي في زمن البدايات الأولى للعمارة النصرية و ليس إلى عصر الوزير اليهودي ابن نغريلة، إذ إن حوضها الذي يحمل نقش  أبيا ابن زمرك في مدح السلطان النصري محمد الخامس، مصنوع من نفس الرخام الذي نُحتت منه الأسود.

لكن أنصار نظرية الأصل اليهودي يعتبرون أن أمراء بني نصر إما أعادوا ترميم نافورة ابن نغريلة أو أعادوا تشييدها بعد أن تهدمت أجزاء كبرى منها.

كخلاصة, ترتكز النظرية اليهودية على قصيدة مدحٍ كُتبت في حق الوزير اليهودي صموئيل بن نغرِيلا، تشير إلى عظمة قصره . غير أن الباحث خيسوس برموديث باريخا اعتبر أن فكرة وجود "الحمراء يهودية" في القرن التاسع أمر غير معقول، إذ لم يُعثر في الحمراء الحالية على أي أثر يعود إلى ما قبل القرن الثالث عشر. ومع ذلك، فثمة احتمال بأن بناء الحمراء قد تم فوق أطلال دُمرت في المذبحة الكبرى التي تعرّض لها اليهود آنذاك، أو ربما فوق قصر لابن نغرِيلا كان قائماً على تل السبيكة.

هكذا إذن تبقى نافورة الأسود، رغم شهرتها و كونها واحدة من  أشهر تحف العالم  تخفي أسراراً لم يُكشف عنها بعد.











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق