الاثنين، 1 سبتمبر 2025

هكذا سحقت قشتالة Castilla آخر محاولة يائسة للمغاربة المسلمين لاستعادة إسبانيا España.

هكذا سحقت إسبانيا و البرتغال عام 1340م آخر محاولة مغربية لاستعادة الأندلس.

ترجمة هشام زليم.



و هو ترجمة لمقال ورد في صحيفة ABC الإسبانية بتاريخ 18 يوليوز 2019 للصحفي الإسباني مانويل فياتورو Manuel P. Villatoro. و صحيفة ABC كما هو معلوم من الصحف الإسبانية العريقة المعروفة بخطها التحريري اليميني و القومي الإسباني, و بالتالي لا ترى بعين منصفة الوجود المغربي المسلم في إسبانيا خلال العصر الأندلسي. أي أننا في هذا المقال سنرى بعين إسبانية قومية يمينيو المعركة الحاسمة التي فقد فيها المغرب جيشه في الأندلس بطريقة بشعة.

عنوان المقال: 

هكذا سحقت قشتالة Castilla آخر محاولة يائسة للمسلمين لاستعادة إسبانيا España.

ففي سنة 1340م، وضعت معركة نهر سلاّدو Río Salado في جنوب إسبانيا حدّاً لطموحات المَرينيين Benimerines في السيطرة على شبه الجزيرة الإيبيرية Península Ibérica.

بالسيف والرمح والدرع، وبإرادة عمياء لوقف تقدم العدو عبر شبه الجزيرة الإيبيرية Península Ibérica… هكذا قاتل في سنة 1340م نحو اثنين وعشرين ألف جندي من جيش قشتالة Castilla، الذين تمكنوا –بمساعدة البرتغاليين– من هزم جيش مسلم يفوقهم عدداً بثلاثة أضعاف على ضفاف نهر سلاّدو Río Salado القريب من قادس Cádiz.

في ذلك اليوم، لم يكتفِ المسيحيون بتحقيق نصر كان يبدو مستحيلاً، بل سحقوا أيضاً آخر محاولة إفريقية لاستعادة أراضي الممالك الإسبانية المتعددة.

كانت شبه الجزيرة الإيبيرية Península Ibérica تمر آنذاك بمرحلة عصيبة، حيث كانت ثقافتان تتنازعان السيادة على أراضيها بسيوف دامية وصراع مستمر. فمن جهة، كان المسلمون –الذين استولوا على معظم الأرض الإسبانية بجيوشهم واستقروا فيها منذ خمسة قرون–، ومن جهة أخرى بدأت الممالك المسيحية تزداد قوة شيئاً فشيئاً، وقد عقدت العزم منذ سنة 722م على استعادة كامل الأراضي الإسبانية الرئيسية آنذاك انطلاقاً من الشمال.

وهكذا كانت تلك الحقبة التاريخية تُعرف باسم حرب الاسترداد La Reconquista.

ومع مرور القرون، أخذ نفوذ المسيحيين في التوسع، إذ كانوا يتقدمون معركةً بعد أخرى عبر سهول قشتالة Castilla، منتزعين الأرض من أيدي المسلمين. غير أنّ الأمر استغرق وقتاً طويلاً حتى بلغت حرب الاسترداد La Reconquista ذروتها سنة 1212م، في معركة حاسمة وضعت بداية أفول دولة الموحّدين Almohades –السلالة المغربية التي كانت تسيطر على شمال إفريقيا وجنوب إسبانيا–.

فكما يوضح المؤرخان الإسبانيان خوان فاثكيث Juan Vázquez ولوكاس مولينا Lucas Molina في كتابهما «المعارك الكبرى في إسبانيا Grandes batallas de España»:

«بعد النصر الحاسم في لاس نافاس دي تولوسا Las Navas de Tolosa سنة 1212م، فقد الموحّدون السيطرة على جنوب شبه الجزيرة وتراجعوا نحو شمال إفريقيا، تاركين وراءهم مجموعة من الطوائف المفككة Taifas التي سرعان ما استولت عليها الممالك المسيحية ما بين 1230 و1264م. ولم تتمكن من الحفاظ على استقلالها سوى مملكة بني نصر Reino Nazarí de Granada. كانت غرناطة Granada آنذاك تضم المقاطعات الحالية: غرناطة Granada، ألمرية Almería، ومالقة Málaga، إضافةً إلى مضيق وصخرة جبل طارق Gibraltar».

كانت هزيمة 1212م قاسية إلى درجة أن دولة الموحّدين Almohades لم تستطع بعدها، في السنوات التالية، أن تدافع عن نفسها أمام قبائل بني مرين Benimerines، وهم قبائل أمازيغية كانت تسعى منذ زمن طويل لإسقاطهم، حتى تمكنت أخيراً من القضاء عليهم والسيطرة على شمال إفريقيا. لكن يبدو أن هذه الرقعة من الأرض سرعان ما ضاقت على الفاتحين الجدد، إذ أعلنوا في أواخر القرن حرباً مقدسة ضد المسيحيين، وجعلوا أعينهم تتجه نحو الهدف التالي… شبه الجزيرة الإيبيرية Península Ibérica.

الوصول إلى طريفة Tarifa

وهكذا، ومع أنّ حرب الاسترداد La Reconquista لم تكن قد انتهت بعد، وجدت الممالك المسيحية نفسها مضطرة منذ مطلع القرن الرابع عشر لمواجهة هذا العدو الجديد الكثيف العدد. واشتدّت الأزمة أكثر حينما نجح أبو الحسن المريني Abu-I-Hasan –ملك بني مرين– سنة 1339م في السيطرة بأسطوله على مياه مضيق جبل طارق Estrecho de Gibraltar وانتزاعها من قشتالة Castilla. كانت تلك الهزيمة ضربة قاسية للمسيحيين، إذ سمحت للمسلمين بالنزول إلى جنوب شبه الجزيرة وإرسال كل ما شاؤوا من الإمدادات إلى الأراضي الإسبانية دون أي مقاومة. 

بعيداً عن التراجع، زاد بني مرين Benimerines من نفوذهم بتحالفهم مع مملكة بني نصر Reino Nazarí de Granada، وفي منتصف شتنبر 1340م بدأوا التقدم نحو المدينة المسيحية طريفة Tarifa وحاصروها. لقد عادت الحرب ضد الكافر-أي المسلم- لتطرق أبواب الممالك المسيحية مرة أخرى، بقيادة قشتالة Castilla وأراغون Aragón.

ولهذا، ونظراً لخطورة الموقف، قرر الملك القشتالي ألفونسو الحادي عشر Alfonso XI إنهاء الأزمة باللجوء إلى الطريقة التي أتقنها جيداً: أي الحرب.

ويشير الخبير الراحل في التاريخ أمبروسيو هويشي ميراندا Ambrosio Huici Miranda في كتابه «المعارك الكبرى في حرب الاسترداد أثناء الغزوات الإفريقية Las grandes batallas de la Reconquista durante las invasiones africanas»:

«كان الملك البني مريني سيجد منافساً جديراً في الشاب النابض بالحيوية ألفونسو الحادي عشر Alfonso XI (…) محارب فطري، وكان يُقال عنه إنه لا يستطيع أن يعيش يوماً واحداً دون حرب، وإذا لم يجدها مع البشر، كان يبحث عنها مع الحيوانات الضخمة في الجبال والوديان، وغالباً ما كان يشارك في المبارزات والبطولات دون أن يُعرف».

التقاء الجيوش

دون تردد، أمر ألفونسو الحادي عشر Alfonso XI بتحضير جنوده لملاقاة الجيش المسلم الذي كان يحاصر طريفة Tarifa، والذي تلقى بدوره تعزيزات من يوسف الأول Yusuf I، ملك مملكة بني نصر Reino Nazarí de Granada.

ومع ذلك، وبالنظر إلى قوة العدو الهائلة، طلب الملك القشتالي مساعدة حماه ألفونسو الرابع Alfonso IV، ملك البرتغال Portugal. إلا أنّ الزمن كان يلعب ضد المسيحيين، فمع كل يوم من التأخير في التنظيم كان هناك خطر من أن تُدمر آلات الحصار الخاصة بالمسلمين أسوار مدينة  قادس Cádiz.

لذلك، أُجبر الجيش المسيحي على المسير المستمر حتى وصل، وقد كاد التعب يفتك بهم، أواخر أكتوبر 1340م إلى ضفاف نهر سلاّدو Río Salado –وهو جدول صغير يبلغ طوله نحو سبعة كيلومترات بالقرب من مدينة طريفة Tarifa–. وعند وصولهم، جعلت رؤية الجيش المسلم قلوب الجنود تخفق لحظات وجيزة، إذ كان على أبواب المدينة حشد يتراوح عدده بين 60,000 و80,000 من العدو، جيش معظم عناصره من الرماة المشاة، الرماة بالمنجنيق، و فرسان مسلمون خفاف –الذين كانوا يتميزون بمرونة كبيرة في القتال–.

أما قوة الجيش المسيحي، فكانت تكمن أساساً في فرسانه المدربين. ويضيف المؤرخ ميراندا Miranda في كتابه:

«تألف الجيش القشتالي، وفقاً لـ"سجلات ألفونسو الحادي عشر Crónica de Alfonso XI" (…) من ثمانية آلاف فارس واثني عشر ألف مشاة، ولم يصل ملك البرتغال Portugal إلا مع ألف فارس فقط (…). ولم يكن عدد المدافعين عن طريفة Tarifa يتجاوز أكثر من ألف ، نظراً لصغر مساحة المدينة (…). ومن ثم، يبدو من المنطقي تقدير أن إجمالي جنود الملكين ألفونسو لم يتجاوز 22,000 جندي».

التحضيرات

وجهاً لوجه، وبينهما فقط نهر سلاّدو Río Salado، بدأ قادة الجيشين في ترتيب قواتهم على أرض طريفة Tarifa التي تحولت إلى لوحة معركة كبيرة.

قرر المسلمون حرق آلات الحصار الخاصة بهم لتجنب أن تقع في أيدي العدو، ثم قسموا جيشهم إلى معسكرين لتثبيت موقفهم ومواجهة القوات المسيحية المشتركة.

أما ألفونسو الحادي عشر Alfonso XI، فقد فاجأ أعداءه بخطوة جريئة، إذ تمكن خمسة آلاف من جنوده (أربعة آلاف مشاة وألف فارس) من كسر الحصار المفروض حول المدينة والدخول إلى طريفة Tarifa لتعزيز دفاعات الجنود المتعبين.

صباح 30 أكتوبر 1340م

في صباح يوم 30 أكتوبر 1340م، وبعد أن اعترفوا بخطاياهم أمام الرهبان، اصطف المسيحيون استعداداً لما قد تكون معركتهم الأخيرة قبل الرحيل إلى العالم الآخر. وكان مسلحين بقوة الفرسان وإيمانهم الراسخ، إذ صُنفت هذه الحملة على أنها حملة صليبية من قبل المؤسسة الباباوية في روما.

كانت الأوامر واضحة: سيقاتل القشتاليون ضد بني مرين Benimerines، بينما يواجه البرتغاليون قوات الملك الغرناطي يوسف الأول Yusuf I. ولتنفيذ ذلك، تلقى الملك البرتغالي دعم ثلاثة آلاف فارس إسباني.

ويصف المؤلفون الإسبان في كتابهم الترتيب القتالي لكلا الجيشين:

«اصطف المسيحيون في خط المعركة، كما هو معتاد، بطلائع من فرسان قشتالة Castilla وفرق الأوامر العسكرية، تلاها جيش رئيسي من المشاة. وعلى الجانبين كانت هناك وحدتان من الفرسان (…) وعلى الجناح الأيسر كان فرسان البرتغال Portugal المذججون بالأسلحة.
أما الجيش المسلم، فشكل صفوفاً متماسكة من المشاة، وخلفهم كان فرسان المغرب مقسمين إلى خمس وحدات كبيرة، وخلفها كتلة كبيرة من المشاة. وعلى الجناح الأيمن تصطف الفرسان النصرانيون nazaríes بقيادة الملك الغرناطي يوسف الأول Yusuf I».

النهاية المذهلة

بعد أن ارتفعت شمس الصباح بما يكفي لتجنب الإزعاج في رؤية المسيحيين، استعد الجيش المسيحي لعبور نهر سلاّدو Río Salado ومواجهة العدو مرة واحدة وإلى الأبد. وكانت طلائع القشتاليين Castilla هي أول من هاجم. ويقول المؤرخ ميراندا Miranda في كتابه:

«عند وصولهم إلى النهر، استولوا على جسر ضيق كان يحرسه 2500 فارس مسلم، ومع أنهم كانوا ثمانمئة فقط، أجبروا الحراس على التراجع».

ولكن، بدلاً من تأمين الجسر فقط، شكل فرسان القشتالة المذججون بالأسلحة خطاً واسعاً وانقضوا بأسلحتهم على المشاة المسلمين، مُحدثين دماراً في صفوف العدو. وكان الصدام مروعاً للجيش المسلم، الذي انهار أمام شدة هجوم الفرسان.

ومع فرار المشاة، لم يجد فرسان بني مرين Benimerín خياراً سوى مواجهة فرسان القشتالة المذججين بالأسلحة مباشرة، بدلاً من استخدام تكتيكهم المفضل في الهجوم المستمر وتجنب الخسائر المباشرة. ويبدو أن هذه كانت واحدة من الأخطاء الأولى للمسلمين، إذ دخلوا في قتال مباشر بالأسلحة البيضاء، وانضم إليهم خلال دقائق عدة مجموعات من المشاة الحليفة، وحتى فرسان آخرون.

الانتصار المسيحي المذهل

في الوقت نفسه، على الجناح الأيسر، خاض فرسان البرتغال Portugal معركة مع الفرسان النصرنيين nazaríes، وتمكنوا من إجبارهم على الفرار بفضل دعم فرسان قشتالة Castilla. وبالرغم من التفوق العددي للمسلمين، بدا أن المعركة ستنتهي بانتصار ساحق للمسيحيين. ومع ذلك، كان الحلفاء يدركون أنهم ما زالوا بحاجة لمواجهة الخط الخلفي القوي من المشاة المسلمين في قتال أخير ودموي.

لكن، عندما كان هذا الجيش على وشك الانضمام إلى الاشتباك، وقع ما يشبه المعجزة للمسيحيين، إذ خرج المدافعون المسيحيون من طريفة Tarifa فجأة من المدينة عازمين على الهجوم على مؤخرة الجيش المسلم.

 محاصَرون بين قوتين، أدرك المسلمون فوراً أن المعركة لا يمكن الفوز بها، فشرعوا في انسحاب فوضوي انتهى بموت الكثير منهم غرقاً على الشاطئ.

وفي النهاية، ومع الهروب الجماعي للعدو، دمّر القشتاليون والبرتغاليون معسكرات المسلمين، حيث عثروا على كنوز هائلة. وبطريقة تبدو كالمعجزة، تحقق النصر.

رابط المقال الأصلي بالإسبانية

https://www.abc.es/historia/abci-aplasto-castilla-ultimo-y-desesperado-intento-musulman-conquistar-otra-espana-201907172312_noticia.html


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق