السبت، 14 فبراير 2015

لماذا اتُخذت مدريد عاصمة لإسبانيا؟



لماذا اتُخذت مدريد عاصمةً لإسبانيا؟ 



في موسوعته "الحلل السندسية في الأخبار و الآثار الأندلسية" أورد أمير البيان اللبناني شكيب أرسلان قصة اتخاذ الملوك الإسبان مدريد (مجريط) عاصمة لملكهم: 
" و الذي فكر في جعل مجريط عاصمة إسبانية هو فليب الثاني, و ذلك سنة 1560م و قبلها كانت العاصمة طليطلة. و كان في طليطلة  كرسي الأسقف الأكبر, فكانت هذه المدينة عاصمة اسبانية في الدين و الدنيا, و كان الاحتكاك الدائم لا يخلو من حوادث تبعث على الاختلاف, فأخذ فليب الثاني يفكر في الانتقال إلى مركز آخر يتوسط المملكة من جميع الجهات, فلم يجد أفضل من مجريط, على علاَّتها, و قحولة أرضها, و عطلها من أكثر المواهب الطبيعية التي تقوم بها عمارة البلدان, فإنه فكر في سرقسطة, فوجدها منحرفة إلى الشمال. و في برغش و ليون, فلم يجد فيهما التوسط اللازم الذي جعله نصب عينيه, و في قرطبة و أشبيلية, فوجدهما ضاربتين في الجنوب, و كان مراده على كل حال أن يغادر طليطلة فرارا من مجاورة أحبار الكنيسة فاختار مجريط, برغم وقوعها في أرض قليلة الخيرات, لا تجري فيها أنهار و لا تمتاز بزرع و لا ضرع, كما أن هواءها جامع بين الأضداد, فمن نوافح البرد القارس, إلى لوافح الحر المحرق, ففي أيام الشتاء قد تنزل درجة الحرارة في الميزان إلى 11 تحت الصفر و يتجمد الماء أكثر فصل الشتاء, و في الصيف تصعد الحرارة إلى الدرجة 43 في الظل, كأنه حر الساحل الجنوبي, ثم إن هواء مجريط, إما أن يكون شديدا عاصفا, يصرع الرجل الماشي في الشارع,  و إما أن ينقطع تماما, حتى لا يطفئ المصباح, فتقلبات الأحوال الجوية في هذه العاصمة أعجوبة من الأعاجيب, و من أمثالهم: لا تترك معطفك قبل 20 مايو (1).


و لما انتقل فليب الثاني إلى مجريط كان فيها 2500 بيت, و 25 ألف نسمة, فضاقت على رجال الدولة و الجند. و صدرت الأوامر بإنزال الأمراء و القواد و أصحاب المناصب في البيوت الكبيرة, فمن ذلك الوقت امتنع الناس عن بناء الدور الفيحاء, و صار الأغنياء منهم يعتمدون السكنى في المنازل الحقيرة, حتى لا ينزل رجال الدولة في دورهم. فلذلك بقيت مجريط لا تتقدم إلى مدة طويلة, مع أن الفن لذلك العهد كان بلغ أوج الترقي, و استمرت هذه الحالة على مجريط إلى أن جاء آل بوربون ملوكا على إسبانية, فشرع كارلس الثالث, أفضل ملوك هذه العائلة, في عمارة مجريط و الاعتناء بشأنها. و لما استعفى كارلس الرابع عن عرش إسبانية سنة 1808 جاء يوسف بونابرت, و أخذ يوسع شوارع مجريط, و يهدم حاراتها القديمة, و الأديار التي كانت تضيق بها الأرض بما رحُبت ثم ذهب حكم نابليون, و أعيد حكم آل بوربون, و جاء فرديناند السابع, فأخذ يعتني بتوسيع مجريط و تزيينها, إلى أن كسبت شكل عاصمة حقيقية."

الهوامش:

(1) لعل الأمير شكيب يقصد المثل: Hasta el 40 de mayo no te quites el sayo ( لا تتخلى عن معطفك قبل الأربعين من ماي) و الأربعين من ماي يُقصد به التاسع من يونيو و قد زيدت الأيام في شهر ماي لتناسب القافية (Mayo . Sayo). 

(2) "الحلل السندسية في الأخبار و الآثار الأندلسية"  شكيب أرسلان. ص 239-240.

صلة الرحم بالأندلس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق