الجمعة، 13 فبراير 2015

"ذاتَ يَوْمٍ سأجْلِسُ فَوْقَ الرَّصيفِ" لمحمود درويش (المقطع الخامس من قصيدة "أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي")

"ذاتَ يَوْمٍ سأجْلِسُ فَوْقَ الرَّصيفِ" لمحمود درويش (المقطع الخامس من قصيدة "أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي")

 

   مدخل إلى قصيدة «أحد عشر كوكباً على آخر المشهد الأندلسي» لمحمود درويش

"في المساء الأخير على هذه الأرض" لمحمود درويش (قصيدة "أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي")

"كَيْفَ أَكْتُبُ فَوْقَ السَّحابِ" لمحمود درويش (المقطع الثاني من قصيدة "أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي")

"لِيَ خَلْفَ السَّماءِ سَماءٌ" لمحمود درويش (المقطع الثالث من قصيدة "أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي")

"وأَنا واحِدٌ مِنْ مُلوكِ النِّهايَة" لمحمود درويش (المقطع الرابع من قصيدة "أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي")

"ذاتَ يَوْمٍ سأجْلِسُ فَوْقَ الرَّصيفِ"

محمود درويش


ذاتَ يَوْمٍ سأجْلِسُ فَوْقَ الرَّصيفِ ... رّصيفِ الْغَريبَة
لَمْ أَكُنْ نَرْجِساً ، بَيْدَ أَنّي أُدافِعُ عَنْ صُورَتي
في الْمَرايا. أَما كُنْتَ يَوْماً ، هُنا ، يا غَريبْ ؟
خَمْسُمائَةِ عامٍ مَضى وَانْقَضى ، وَالْقَطيعَةُ لَمْ تَكْتَمِلْ
بَيْنَنا ، هاهُنا ، والرَّسائِلُ لَمْ تَنْقَطِعْ بَيْنَنا ، وَالْحُروبْ
لَمْ تُغَيِّرْ حَدائِقَ غَرْناطَتي . ذاتَ يَوْمٍ أَمُرُّ بِأَقْمارِها
وَأَحُكُّ بِلَيْمونةٍ رَغْبَتي ... عانِقيني لأُولَدَ ثانِيَةً
مِنْ رَوائِحِ شَمْسٍ وَنَهْرٍ على كَتِفَيْكِ ، وَمِنْ قَدَمَيْنْ
تَخْمُشانِ الْمَساءَ فَيَبْكي حَليباً لِلَيْلِ الْقَصيدَةْ ..
لَمْ أَكُنْ عَابِراً في كَلامِ المُغَنّين ... كُنْتُ كَلامَ
المُغَنّينَ ، صُلْحَ أَثينا وَفارِسَ ، شَرْقاً يُعانِقُ غَرْباً
في الرَّحيلِ إلى جَوْهَرٍ واحِدٍ . عانِقيني لأُولَدَ ثانِيةً
مِنْ سُيوفٍ دِمَشْقِيَّةِ في الدَّكاكينِ . لَمْ يَبْقَ منّي
غَيْرُ دِرْعي الْقَديمَةِ ، سَرْجِ حِصاني الْمُذَهَّبِ . لَمْ يَبْقَ مِنّي
غَيْرُ مَخْطوطةٍ لاِبْنِ رُشْدٍ ، وَطَوْقِ الْحَمامَةِ ، والتَّرْجَمات ...
كُنْتُ أَجْلِسُ فَوْقَ الرَّصيفِ على ساحَةِ الأُقْحُوانَة
وأَعُدُّ الْحَماماتِ: واحِدةً، اثْنَتَيْنِ، ثَلاثينَ ... وَالْفَتَياتِ اللَّواتي
يَتَخاطفْنَ ظِلَّ الشُّجَيْراتِ فَوْقَ الرُّخامِ ، وَيَتْرُكْنَ لي
وَرَقَ الْعُمْرِ ، أَصْفَرَ . مَرَّ الْخَريف عليَّ وَلَمْ أَنْتَبِهْ
مَرَّ كُلُّ الْخَريفِ ، وَتاريخُنُا مَرَّ فَوْقَ الرَّصيفِ ...
وَلَمْ أَنْتَبِهْ !

صلة الرحم بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق