الأحد، 8 فبراير 2015

الأندلسيون في مالي من كتاب "الانبعاث" للكتاني

الأندلسيون في مالي من كتاب "الانبعاث" للكتاني
هشام زليم.

في هذا المقال سنتعرف على قبيلة الأرما في دولة مالي و هي قبيلة ذات أصول مغربية أندلسية.
يقول الدكتور علي المنتصر الكتاني في كتابه "انبعاث الإسلام في الأندلس" عن استقرار المغاربة و الأندلسيين بدولة مالي الحالية:
"كانت علاقة ملوك "كاو" بالأندلس وثيقة منذ أيام الدولة الأموية. وقد انتقل إلى مدنها, خاصة تنبكتو, عدد من علماء الأندلس أيام الدولة النصرية, منهم أبو إسحاق الساحلي, المعروف بالطُّوَيجِن, كان عالما مشهورا و شاعرا و صالحا. و هو من بيت صلاح و ثروة و علم بغرناطة, كان والده أمين العطارين بها. و قد ارتحل أبو إسحاق من بلده إلى الحج, ثم انتقل إلى مملكة سونغاي بالسودان الغربي, فاستوطنها و أصبح له الجاه المكين عند سلطانها, وبنى المساجد الكثيرة بها, منها مسجد جنكريبر Djingareyber بتنبكتو بين سنتي 1325 و 1330م. و توفي بتنبكتو في يوم الإثنين 27 جمادى الثانية عام 747 ه (1346م).


لكن الوجود الأندلسي المعاصر على ضفاف نهر النيجر من تنبكتو إلى كاو يعود إلى الحملة التي أرسلها المنصور الذهبي عبر الصحراء الكبرى في أكتوبر سنة 1590م برئاسة جودر, و هو أندلسي من وادي المنصورة بمقاطعة المرية. عبر جودر الصحراء على رأس 5.600 رجل , أندلسيين و مغاربة, يصحبهم 8.000 جمل و ألف فرس لاحتلال مملكة سونغاي, مات منهم في الطريق كثيرون و لم يصل إلى مملكة السونغاي سنة 1591م سوى حوالي 3.000 رجل. فتحصن ضدهم 
(السلطان) الأسكية إسحاق الثاني في عاصمته كاو, على نهر النيجر, بينما كانت تنبكتو مركز المملكة الثقافي و التجاري مرسى قوافل الصحراء من سجلماسة. وفي 14 مارس1591م وقعت معركة حاسمة في تونديبي Tondibi بين جنود الأسكية المسلحة بالرماح و الأسلحة البيضاء و عددها 40.000 رجل و الجيش المغربي المكون من 3.000 رجل مسلح بالأسلحة النارية التي لم يكن يعرفها أهل السونغاي, انهزم أثرها الأسكية و استقر جيش جودر في البلاد التي ضمها إلى المغرب.

استقر الأندلسيون و المغاربة على ضفاف نهر النيجر و تزوجوا من نساء البلاد و كونوا الطبقة الحاكمة إلى سنة 1660م , و جعلوا من تنبكتوا عاصمة حكمهم. و كون الأندلسيون طبقة ثقافية مميزة, و أصبحوا يتزاوجون مع بعضهم, وانتشرت لغة السونغاي بينهم, واحتفظوا بثقافتهم الأندلسية. و بعد أن هجمت قبائل الطوارق على تنبكتو في القرن التاسع عشر الميلادي, طردوا منها معظم الأندلسيين فكونوا في منطقتها قبيلة اسمها "الأرما"Armas (أو الجيش باللغة العجمية الأندلسية و الإسبانية). ومع السنين ضاع نفوذ قبيلة الأرما في المنطقة, لكنها حافظت على كثير من عاداتها الأندلسية في المأكل و المشرب و المسكن و دخلت لغتهم السونغية كثير من الكلمات الإسبانية عدت بحوالي أربعين.

و عند دخول الإستعمار الفرنسي إلى المنطقة ركزت قبيلة الأرما على الزراعة على ضفاف نهر النيجر و على تربية المواشي. و رجع كثير منهم إلى تنبكتو حيث تعلموا في المدارس العصرية و تخرجوا في كثير من الفنون. و بعد استقلال مالي سنة 1960م, تنوسيت منطقة تنبكتو مرة ثانية, وهاجر كثير من مثقفي الأرما إبى العاصمة باماكو. ثم جاء الجفاف و المجاعة فأضر ضررا كبيرا بالأرما. و يقدر اليوم عدد الأرما المنحدرين من أصول أندلسية و مغربية بحوالي 80.000 شخص منهم حوالي الثلثان من أصول أندلسية و هم يعيشون في المدن و القرى المنتشرة بين تنبكتو و كاو Gao.

و يوجد اليوم من الأرما في مدينة تنبكتو حوالي ألفان من مجموع 20.000 نسمة, أي حوالي عشر سكان المدينة. استقروا, منذ القرن الثامن عشر, في حي خاص بهم, توزعوا فيه حسب فيالقهم العسكرية التي أتوا معها. فالزايَوِيون, و هم فرقة مراكش, يسكنون في حي جنكرايبر
Djingareyber حيث يوجد المسجد العتيق الذي بناه الساحلي, المهندس الغرناطي, و جماعة مبارك الدرعيين, وهم فرقة وادي درعة, يسكنون حي سريكينا Sarekeina, و التورقينيون, وهم فرقة فاس, الذين اضطروا إلى مغادرة تنبكتو سنة 1800م, يسكنون حي الفاسيين كوندا حول مسجد سيدي يحي, حيث توجد مقابر باشاوات تنبكتو الذين خلفوا الرئيس جودر. 
و من الشخصيات "الأرما" المعروفة اليوم بابا أحمد حساية, رئيس مكتب التراث الثقافي بتنبكتو, و كذلك إسماعيل ديادي, الباحث في مركز الدراسات الأندلسية التابع "للجماعة الإسلامية بالأندلس" في قرطبة, و الذي له الدور الهام في التعريف بالسلالة الأندلسية في مالي.

و قد أخذت الأوساط الأندلسية في الأندلس اليوم تهتم بأندلسيي مالي. فقد أرسلت " الجمعية الثقافية الحرة لسنة 2020", وهي جمعية إسبانية غير حكومية , بعثة إلى مالي سنة 1986م, و اقترحت على مسؤوليها برنامج تعاون للحفاظ على التراث الأندلسي في مالي. و يحتوي هذا البرنامج على ترميم مسجد جنكورايبر 
Djingareyber الذي بناه الساحلي, وقد بدأت وزارة الثقافة الإسبانية و اليونيسكو اهتماما بهذا المشروع, و على إرسال أدوية لأطفال تنبكتو و منطقتها بالتعاون مع الصليب الأحمر الإسباني.

و عبر السنين , انتقل كثير من الأندلسيين التنبكتيين إلى البلدان المجاورة, خاصة النيجر و السينغال و موريتانيا, حيث توجد بعض العائلات الأندلسية, منها التي لم تضع ذكراها بعد, كما هاجر عدد من الأندلسيين من مصر و من المغرب إلى السودان. وتستحق كل هذه الهجرات دراسة مستفيضة للتعرف على أثارها السكانية المعاصرة."

من كتاب "انبعاث الإسلام بالأندلس " للأستاذ علي المنتصر الكتاني . ص 404-406.

صلة الرحم بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق