الثلاثاء، 21 أبريل 2015

بونابارت لم يَشَأ إذلال غرناطة خلال غزوه لإسبانيا

بونابارت لم يشَأ إذلال غرناطة خلال غزوه لإسبانيا

خوان مانويل باريوس روزوا
"نشر الباحث الغرناطي خوان مانويل باريوس روزوا Juan Manuel Barrios Rozua مؤخرا كتابه "غرناطة النبوليونية" الذي يصف فيه المدينة التي غزاها الفرنسيون".

صحيفة Ideal.es الغرناطية. 9 فبراير 2014. حوار أجراه خوان لويس تابيا Juan Luis Tapia. 

«Bonaparte no quiso humillar a Granada



نشر مؤخرا الأستاذ و الباحث في جامعة غرناطة خوان مانويل باريوس روزوا Juan Manuel Barrios Rozua كتابه "غرناطة النابوليونية. المدينة, العمارة و التراث" (منشورات جامعة غرناطة), و هو كتاب كلَّفه 8 سنوات من العمل و يستعرض فيه وصف غرناطة أثناء الغزو الفرنسي, كما يتناول مواضيع أخرى كالإصلاحات التي قام بها الفرنسيون, عمليات النهب للتراث التاريخي, الأضرار التي لحقت بقصر الحمراء إضافة للخراب الاقتصادي الذي تركت فيه الحربُ غرناطةَ.


يقع الكتاب في 450 صفحة و قُسمَ لثلاثة فصول: "مدينة النظام القديم في أزمة", "غرناطة تحت السيطرة الفرنسية" و "المدينة الدستورية العابرة"؛ إضافة لمقدمة و خاتمة و فهرسين للمنشآت و الأماكن و الأعلام .

ماهي الحالة التي كانت عليها غرناطة أثناء غزو الفرنسيين؟
كانت غرناطة ماتزال مدينة باروكية الطابع (Estilo Barroco) نظرا لوجود القساوسة بأزيائهم المنسدلة, المعابد, الكنائس و الأديرة, ما كان يمنحها هيئة المدينة المُقدسة و الغارقة في النظام القديم. مع ذلك, على غرار كل المجتمع الإسباني, كانت في غرناطة  أزمة اجتماعية خانقة حتى قبل بداية الحرب, أزمةُُ تصاعدت حتى بلغت درجات قصوى بعد الانتفاضة الشعبية ضد الغازي الفرنسي.

كيف استُقبلت القوات النابليونية؟ 
استُنزفت الساكنة (الغرناطية) كثيرا منذُ بداية الحرب في ماي 1808 و حتى وصول الفرنسيين في يناير 1810: فمن تعدد الضرائب, و التدفق التابث للشباب على تشكيل كتائب عسكرية وطنية, إلى كل أنواع المشاكل الاجتماعية. أعطى الانتصار المُبكرُ في معركة بايلن Bailen في يوليوز 1808 صورة خادعة, حيث توالت الهزائم بعد ذلك؛ و بعد سنة و نصف, حين عبر جيش عرمرم يقوده المريشال سولت Soult و الملك (الفرنسي) يوسف بونابارت منطقة ديسبنيابيروس Despenaperros, كانت روح الهزيمة قد تفشت بين قطاعات عريضة من المجتمع, خاصة في صفوف النخبويين الذين لم يكونوا على استعداد بأي شكل من الأشكال لجعل غرناطة سرقسطة ثانية. استسلمت المدينة دون مقاومة أمام جيوش نابليونِِ كان يبدو لا يُقهر و الذي فتح مرحلة جديدة كان من الواجب قبولها بتحمس بشكل أو بآخر. الغرناطيون الذين تعاونوا مع المحتلين فعلوا ربما ذلك بدافع الانتهازية أو الجبن أو بسبب التحمس للعصرنة التي كانت تُجسدها فرنسا, رغم ذلك, كانت غالبية الغرناطيين تمقُتُ المُحتل.

لماذا أمر يوسف بونابارت بسحب العلم الفرنسي من فوق الحمراء؟
كان يوسف بونابارت نظريا ملكا لدولة مستقلة (هي إسبانيا المحتلة آنذاك), لما رأى علماً فرنسيا ضخما يرفرف فوق قصبة الحمراء انتبه إلى أن ذلك كان يشكل إهانة للساكنة المحلية و أيضا نفيا لسيادته هو نفسه على المدينة. لم يكن ولاء العسكريين للملك و إنما للامبراطور (الفرنسي, شقيقه نابليون بونابارت).

ماذا كان وضع الحمراء و ما هي الاصلاحات الملكية التي شملت المَعلمَة؟
كانت الحمراء في حالة يُرثى لها, رغم أنه في القرن 18 و بداية القرن 19 جرت بعض عمليات الإصلاح التي اتخذت أبعادا متوسطة. قام يوسف بونابارت بزيارة شاملة للحمراء التي كان قد تحدث له عنها بإطراء صديقه الرحالة ألكسندر لا بورد Alexander Laborde. نعلم أنه كانت للملك نية لجعل بلاطه في الحمراء لمدة 4 أشهر, و هو قرار ربما اتخذ حتى قبل احتلال إقليم الاندلس, لكنه اكتفى في النهاية بأسبوعين فقط, و ربما كان هذا أمرا مُحبطا لمدينة أقاليمها كثيرة و ساكنتها ذات مودة ريائية. كان (الملك) قلقا لتدهور الإقامة الملكية Casa Real بالحمراء فأصدر قرارا يأمر بصيانتها و عيَّن مدير الإقامة الملكية  ميوت دي مليتو Miot De Melito لإدارة الأشغال, غير أن هذا الأخير رافقه إلى مدريد فعيَّن بدوره ممثل التراث الملكي بالمدينة فرانثيثكو أغيري Francisco Aguirre للوقوف على سير الأشغال. لكن الجنرال سيباستياني Sebastiani قرر من جانب واحد توليه شخصيا إدارة أشغال التجديد. كان في رصيد هذا الجنرال مسار لامع كسفير في إستنبول و في العديد من المدن العربية بالشرق الأوسط, و كان على معرفة بالكاتب الرومنسي روني دو شاتوبريون René de ChateauBriand, و كان له إعجاب صادق بالآثار العربية القديمة. نعلم أنه عقد اجتماعات عسكرية ببرج قمارش جالسا على مخدات على الطريقة العثمانية. كان سيباستياني كورسيكيا مثل نابليون و كان على معرفة بجميع شخصيات الامبراطورية, و كان يعيش في غرناطة  في أجواء غاية في الملكية حتى أُطلق عليه "أوراسيو الأول ملك غرناطة".

ما هي الإصلاحات التي أحدثها الفرنسيون في غرناطة و ما الذي تبقى منها؟
كان أوراسيو سيباستياني يرى في التحسين العمراني وسيلة لإعطاء ملامح تقدمية للامبراطورية. يبدو أن القيام بالأشغال العامة كان أمرا شعبيا, لكنه كان يتمُ مقابل استدانة بلدية عالية. من المذهل العدد الكبير للمبادرات العمرانية مقارنة بالفترة القصيرة للاحتلال الفرنسي: إصلاح الممرات الشجرية لشنيل, إتمام المسرح الجديد - سُمي بمسرح نابليون ثم عُرف بمسرح سرفنتس -, تشييد قناطر حجرية واسعة (القنطرة الخضراء و قنطرة المسالك). تعود العديد من هذه المبادرات لفترة ما قبل الاحتلال النابليوني لكنها إما لم تكتمل أو لم تتوفر الأموال اللازمة لها. مثلا المسرح الجديد لم يتم إكماله لأن الأسقف, و الكنيسة عموما آنذاك, كان يعتبر المسرح بؤرة ََ لمخاطر أخلاقية خبيثة و كان يرى فيه سبب الزلازل التي كانت تضرب المدينة و يعتبرها تعبيرا عن غضب إلاهي. 

من هي الشخصيات على شاكلة دالمو Dalmau التي برزت في غرناطة النابليونية؟
فرانثيثكو دالمو, صاحب الخريطة الطبوغرافية لغرناطة التي خطها عام 1796 وضع خدماته رهن إشارة الفرنسيين و قد يكون أحد المستشارين في الأعمال العمرانية. كما كان هناك الموسوعة الموالي لفرنسا سيمون دي أرغوتي Simon de Argote صاحب أحد أهم الكتب التي أُلفت على الإطلاق حول غرناطة 'Los Nuevos Paseos por Granada y sus contornos' (الممرات الجديدة في  غرناطة و نواحيها), و هو كتاب غير مُكتمل و قد عُثر على فصل غير منشور منه بين أوراق  يوسف بونابارت المحفوظة في باريس؛ سأنشره  في الأشهر المقبلة على مجلة القنطرة Al Qantara.

لماذا تحولت المدينة إلى خراب؟
دفعت غرناطة كباقي أندلوسيا ثمنا باهضا للنصر على نابليون رغم أنها كانت محظوظة لعدم تعرضها للسلب و النهب, عكس قرطبة و جيان و مالقة. لما احتل الفرنسيون المدينة فرضوا ضرائب كبيرة عجلت عليهم نقمة أولئك الذين توهموا أنه بقدوم الفرنسيين ستنتهي الفاقة التي سببتها الحرب. لا ننسى أن نابليون لم يقدم دعما لوجستيا لجيوشه ما اضطرهم للاقتيات على الأراضي التي كانوا يحتلونها؛ كما واجهوا في مناطق كثيرة من إقليم الاندلس مقاومة شرسة, فكان ثمن الاحتلال باهضا للغاية. لما انسحب الفرنسيون من غرناطة استمرت الحرب في باقي شبه الجزيرة الإيبيرية و كان على المدينة المساهمة فيها. بعد عودة المللك الإسباني فرناندو السابع بدأت حروب الاستقلال في المستعمرات الامريكية حيث جُندَ عدد غير قليل من الغرناطيين للقتال في تلك الحملات العسكرية العقيمة. و بالرغم من رؤيتنا للحقبة من منظار رومانسي إلا أنها كانت فترة ارتفعت فيها معدلات الوفيات بشكل رهيب بسبب الحرب, الجوع و الأمراض.

ما الذي يقدمه الكتاب للدراسات حول هذه الفترة, و ما هي الكليشيهات و الأساطير التي يفككها؟
كنتُ أريده كتابا لا يدع مجالا للالتباس و خزانا لأحداث جديدة, يسترعي الانتباه للقصر العجيب الذي كان لأثانثا  Azanza حاكم المكسيك ثم وزير يوسف بونابارت في شارع دارو Darro, يُحلل النظام الأول للإنارة العمومية في المدينة, يأتي على سيرة كل الصُناع و الساسة و العسكريين الذين كانت لهم مسؤوليات في أعمال غرناطة, يحلل علمنة الأديرة و نهب تحفها الفنية, يمر على محاولة الحصار الذي عانت منه غرناطة من طرف قوات الكونت مونتيخو Montijo, يصف الحمراء قبل, أثناء و بعد الحرب...إلخ. فيما يخص الكليشيهات, كان القاموس التاريخي المحلي يحوي معلومات مجزأة و مُشوَشة؛ فلم يُزعج أحد نفسه بالقيام مثلا بدراسة جادة لشخصية أوراسيو سيباستياني. لقد حاولتُ البرهنة على أن التاريخ لا يحتاجُ لسرده كرواية, و إنما لإظهاره بكل غناه المتنوع في مظهر متناسق.


صلة الرحم بالأندلس






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق