في 25 أكتوبر 2009 الساعة: 12:14 م
مقال إسباني عن زيارة التونسي الاندلسي رضوان الرشيكو سليل آخر ملوك الاندلس لقصر أجداده بحمراء غرناطة عام 1989
هشام زليم.
ترجمة مدونة "صلة الرحم بالأندلس" لمقال جريدة إديال.إس Ideal.es الغرناطية, عدد 3 يناير 1989م.
مقال للصحفي الإسباني خوان إنريكي غوميز Juan Enrique Gomez
"رضوان الرشيكو سليل أبي عبد الله Boabdil يُرفرفُ علم الأندلس فوق أبراج الحمراء"
عادت أبراج الحمراء و قصورها لتعيش ذكرى زمن مضى. فها هو علم الأندلس يرفرف فوق برج الحراسة Torre de la Vela. بل ها هو رضوان الرشيكو Ridwan Rachico ا(1)سليل
آخر ملك لغرناطة يستولي, في مشهد رمزي, على قلعة أجداده. لقد تحول بالأمس
الرثاء الكلاسيكي المسلم بفقدان غرناطة إلى صيحة للإسلام صدرت من أفواه قادة
الجماعة الإسلامية بالأندلس. بينما كانت, في المدينة نفسها, راية قشتالة
ترفرف. إنها بهجة و نحيب ثقافتين ألفيتين.
في
شهر دجنبر الماضي أعلن الزعيم الليبي معمر القذافي لوسائل الإعلام الدولية
أن العالم العربي لم ينس الأندلس. أدت كلمات الزعيم لتسليط الضوء على
احتمال استردادها. لقد تبنى القذافي مطالب عدة جماعات مكونة من أفراد ينتمون إلى
طوائف إسلامية و يقطنون بالتراب الإسباني, و هم مسيحيون تحوّلوا إلى الإسلام و
جعلوا إحدى غاياتهم تكوين ”جمهورية إسلامية بالأندلس”. في هذا الإطار,
أعلن زعيم الجماعة الإسلامية بالأندلس عبد الرحمان مدينة –و كان يدعى قبل
إسلامه أنطونيو مدينةAntonio Medina – أن الوقت قد حان للعودة للحمراء و استرجاع, و لو رمزيا, هذه المعلمة التي كانت قبل خمسة قرون تقريبا مركز الثقافة الإسلامية.
بينما كانت ”غرناطة الرسمية” تحتفل في ساحة الكرمن Carmen بعيد الاستيلاء على المدينة, و دخول الملكين الكاثوليكيين لغرناطة و استرجاع المسيحية لكامل التراب الإسباني, كان أحد أحفاد أبو عبد الله, آخر ملك
لغرناطة, يلجُ لأول مرّة أبواب القلعة و ذلك منذ أن بكى سلفه فقدان مملكته. وسط السياح و المُهتمّين, تجاوز رضوان ريشكو, الذي يُرجِع نسبه لأبي عبد الله و بالتحديد للجيل الثالث عشر, باب الشريعة Puerta de la Justicia.
دخل بمفرده حاملا العلم الأندلسي, و خلفه جمع من الناس ينتمون للجماعة
الإسلامية و أتباع جماعات تحررية أندلسية, و كأني بهم حاشيةُ وليِ عهدٍ لا
مملكة له. قال و هو مُتجهٌ لمشاهدة غرناطة من أعلى نقطة في القلعة و هي برج
الحراسة :”دخول الحمراء كان أحد أكثر اللحظات المثيرة في حياتي”.
ملكٌ بين السيّاح
ظل السياح يرقبون الموكب باستغراب, و لا يعلمون ما الذي قد يحدث في صبيحة الثاني من يناير. و هم في حقيقة الأمر شهود على زيارة تاريخية استثنائية. طَلَبَ حُراس الحمراء من
الرشيكو و أتباعه تذكرة الدخول, فقد تبدلت الأحوال. و علّق
الرشيكو على ذلك قائلا:”يجب احترام قوانين هذا الصرح”. على شرفات القصبة استُعرضت الأعلام و و استولوا على مكانٍ قال عنه عبد الرحمان مدينة ”انتزعوه منّا ذات يوم”.
في برج الحراسة, و وسط حشد عظيم من الناس كانوا في زيارة للمعلمة, و آخرين التحقوا بالأندلسيين و كثيرين آخرين غيرهم جاؤوا لقرع جرس برج الحراسة و إحياء تقليد يَعِدُ من يقرعُ الجرس
يوم الثاني من يناير بالزواج السعيد, وسط هؤلاء جميعا حمل عبد الرحمان
مدينة علم الأندلس فوق مدينة غرناطة, و رفرفه مرات عديدة فوق الشرفة كما
كان الحال قبل خمسمائة سنة. بعد ذلك تسلّم رضوان الرشيكو العلم و اتجه به
نحو المدينة. فسُمعت تصفيقات صدرت على استحياء من أشخاص تجمّعوا في برج
الحراسة. لم تتوقف أجراس البرج عن الرنين, و رغم عدم ارتباطها بتجمّع
المسلمين فإنها أضفت جوا من الاحتفالية على المناسبة التي كانت لسنوات خلت
تجري في غياب سليل مباشر ”لملك غرناطة المسلم” "Rey moro de Granada".
قال الرشيكو :”أنا
هنا لأننا نحن الأندلسيون نحب أصولنا. من المهم جدا بالنسبة لي استحضار ما
قام به أجدادي و أن تطأ قدماي هذه الأرض و هذه الحجارة دون أن يكون ذلك بدافع
الشجار أو القتال”. "حفيد" أبي عبد الله شدَّدَ على أنه لا يبحث عن الاسترداد, و قال :”لا
أتحدث عن تحرير الأندلس حتى يكون بمقدوري الحضور إلى هنا, فالقانون و الدستور
الإسبانيان يجيزان لي القدوم و أن أكون أندلسيا. زيارتي هي صلة رحم بالإخوة الأندلسيين و كي يعلموا بوجود أندلسيين خارج الأندلس, في شمال إفريقيا,
أمريكا الجنوبية و بقاع أخرى. فجذورنا جميعا في الأندلس”. و لازال جميع هؤلاء الأندلسيين, حسب رضوان الرشيكو, أوفياء لما كانت عليه هذه الأرض قبل 500 سنة .
بعد هذا النشاط الذي شهده برج الحراسة و الذي تزامن مع الاحتفال الرسمي بدخول غرناطة في ”الكنيسة الملكية” Capilla Real و في ساحة البلدية, جال الموكب الإسلامي قصر الحمراء و اندمج مع السياح من أجل الولوج للإقامة الملكية Casa Real.
هناك سرح رضوان الرشيكو و أتباعه ببصرهم في بهو الريحان ثم وضعوا علمهم أمام
نافورة السباع. بعد ذلك أخذت الزيارة طابعا خاصا, فأعلنت الجماعة الإسلامية
اختتام مراسيم استحضار فقدان غرناطة.
ثقافات تلتقي من جديد.
لا يفهم عبد الرحمان مدينة الجدل الدائر حول المراسيم التي نظموها, و أكّد
أنه لا صلة بينها و بين الأحداث التي وقعت أيام قبل ذلك بألمرية, كما لم
يجد سببا للتواجد الأمني الضخم خلال الاحتفالات الرسمية بدخول غرناطة. و قال عبد الرحمان :”لم نأت إلى هنا كإشارة للقتال و إنما كرمز للقاء من جديد. و رفع العلم فوق برج الحراسة هو اللقاء". لكن بالرغم من هذا الرأي, إلا أن المنظمة الإسلامية التي يتزعمها مدينة تهدف, باعترافه هو نفسه, لإعادة بناء الهوية الأندلسية, فحسب قول عبد الرحمان مدينة: "الدولة
الإسبانية و الكنيسة لم يدخلا إلى غرناطة عن طريق الإقناع و إنما عن طريق القوة. و هذا
مخالف جدا للنهج الذي نعتمده و المبني على إقناع الناس بالإسلام",
كما أكّد عبد الرحمان مدينة أن مجرد تطبيق بنود معاهدة تسليك غرناطة كان كافيا لبقاء الأندلسيين على هذه الأرض, بالمقابل لم ينف اهتمامهم باسترداد
الأندلس, "فالإسلام خير لكل الشعوب, لهذا و من خلال جذور الإسلام يأتي اهتمامنا بالأندلس”, و ليس الأندلس التي رُسِمت حدودها الجغرافية اليوم و إنما كما كانت فترةَ ”الاسترداد”, حيث أكّد مدينة :"تتشكل الأندلس من المنطقة الطبيعية و الإدارية الحالية لإقليم الأندلس ذو الحكم الذاتي, إضافة لأقاليم بطليوس Badajoz, مرسية, وادي الكدية إلى بويرتويانو, جبال الكرز Sierra de Alcarazو أراضي أوريولا Orihuela, و هي مناطق أعطت الحياة للأندلس منذ غابر الزمن.”.
زعماء الجماعة الإسلامية بالأندلس – و تسمى أيضا ”التحرير الأندلسي” Liberacion Andaluza- ردوا على الاتهامات التي ترى مقاصدهم سياسية و قالوا : ”
التحرير الأندلسي ليس حزبا سياسيا و من البديهي أن مشروعه ليس برنامجا سياسيا.
المشروع هو تطلعٌ من منطلق الإسلام. لهذا ندعو إلى جمهورية إسلامية
نستطيع العيش فيها و تنظيم أنفسنا و التمتع بحرية و تسامح كاملين”.
تأكيده أنه سليل آخر ملك لغرناطة
أثار إعلان
زيارة رضوان الرشيكو للحمراء الجدل حول حقيقة الانتساب للملك أبي عبد
الله. بعض الدوائر نفت أن يكون هذا المهندس التونسي الشاب ذو الثمانية و
العشرين ربيعا سليلا لآخر ملك مسلم لغرناطة. غير أن الرشيكو أكد أن هذا ليس
صحيحا و أنه على يقين بصحة نسبه, و قال:”أنا هنا لأنني حفيد من الجيل الثالث عشر لأبي عبد اللهBoabdil ”. و أشار إلى أن المؤرخين الكاثوليك توقفوا عن تتبع حياة أبي عبد الله, و هذا ما يفسر وجود فترات مخفية من تاريخ جده الأكبر, ”لهذا السبب لا توجد وثائق تبرز من هم أولاده الذين رحلوا في اتجاه شمال إفريقيا”. لكن بالنسبة لرشيكو هناك دلائل أخرى لا تمر عبر المؤرخين المسيحيين, أهمها حسب تعبيره: ”الذاكرة
الجماعية لعائلتي و لبلدتي مهمة للغاية. فشجرة قرابة الرحم انتقلت إلى جانب التاريخ و قد تناقلت عائلتي أبا عن جد بأن أجدادنا كانوا ملوك الأندلس.”.
بالرغم
من ذلك لم يظهر على الريشكو اهتمام كبير بهذا الجدل, فالمهم بالنسبة له
أن بلدته تعرف من هي عائلته التي استقرت بتونس و شيدت بلدات استقر بها
المطرودون من مملكة غرناطة: ”لا تعوزني الوثائق, فالمسالة بالنسبة لي شعور”.
التعليق على الصور:
العلوية: ”الجماعة الإسلامية بالأندلس
طالبت باسترجاع رموز الهوية الأندلسية مع دخول رضوان الريشكو السليل
المفترض للملك أبي عبد الله للحمراء.”
السفلية:
”كان على رضوان الريشكو دفع ثمن التذكرة للدخول للحمراء أين رفع العلم
الأندلسي و أدلى بتصريحات لصالح تفسير آخر للتاريخ الأندلسي.”
الهوامش:
(1) الريشكو Rey Chicoبالقشتالية تعني ”الملك الصغير” Rey Chico, في إشارة للملك أبي عبد الله.
هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالاندلس..
مدونة صلة الرحم بالاندلس..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق