الخميس، 7 فبراير 2013

قصص مُوَثَّقَة من محاضر محاكم التفتيش لهروب المورسكيين من إسبانيا إلى شمال إفريقيا في القرنين 16 و 17

كتبهاهشام زليم ، في 29 سبتمبر 2009 الساعة: 21:22 م

قصص مُوَثَّقَة من محاضر محاكم التفتيش لهروب المورسكيين من إسبانيا إلى شمال إفريقيا في القرنين 16 و 17

صلة الرحم بالأندلس.















سلك المورسكيون طرقا متنوعة خلال رحيلهم عن إسبانيا خلال القرنين 16 و 17 ميلادي. فحسب محاضر المورسكيين الذين أُدينوا, اتّسمت كل المسالك بالصعوبة و الخطورة. فللوصول إلى أرض شمال إفريقيا, توجد ثلاث طرق. أولاها:  تلك التي تمر من أراغون و فرنسا, و هو الطريق الذي رغب في توخيه ماتيو بريز Matheo Perez و أفراد عائلته: ”لقد قرروا جميعا أن يتحولوا إلى مملكة فرنسا و منها يذهبون للاستقرار في المغرب تحت ظل قانون محمد”. و هذا الطريق يؤدي عموما إلى البلاد التونسية (11). أما الطريق الثاني فيمر من قرطاجنة أين يتم الإبحار ليلا نحو الجزائر: و بيدرو مارتنيز و زوجته عبراه سنة 1567 عندما كانا على وشك الإبحار قرب قرطاجنة. أما إذا كان التوجه نحو المغرب الأقصى, فإن المسلك هو الطريق الثالث الذي يبدأ انطلاقا من الساحل الجنوبي لجزيرة الأندلس (12).


بالنسبة لأهل أراغون و نافارا مثلا كان المسلك صعبا, حيث كان عليهم الالتحاق أولا بفرنسا عبر تولوز و قرقشونة ليركبوا البحر بعد ذلك من منائي أكدي Agde أو مرسيليا (13), و لا حاجة للتأكيد على وعورة جبال البرانس الفاصلة بين إسبانيا و فرنسا و تكوينها لحاجز طبيعي بين البلدين.

بيدرو الرويو Pedro El Royo, مورسكي من تورياس Torrellas تخصص منذ سنة 1551 في تهريب المورسكيين إلى تركيا. خلال خمس رحلات, نجح في تهريب أكثر من 40 رجلا و امرأة عبر جبال البرانس. لكنه اعتُقل سنة 1567م و حكمت عليه محكمة تفتيش سرقسطة بالموت (14).

في السنة الموالية, اعتُقل مكيل ألأراغوني Miguel Aragonés عندما كان يستعد لعبور الحدود, فلاقى نفس المصير, و جاء في محضره :”أُُسِر على الحدود مع فرنسا رفقة بعض المورسكيين حيث يذهبون إلى تركيا للعيش كمسلمين”. (15)

في طليطلة

ما بين 1544 و 1561 حاول ثلاثة طليطليين العبور إلى المغرب. و رغم أن المصادر التفتيشية لم تذكر شيئا كثيرا عنهم, إلا أنها كانت كافية لتُبرز المصير الذي كان ينتظرهم لو بقوا في إسبانيا. و نجد بينهم مجدولينا لا ساستر Magdalena la Sastre التي حُكم عليها غيابيا بالموت حرقا. بعد وصولها إلى الجزائر شرعت في دعوة الأسرى النصارى إلى الإسلام. 

في بطليوس

مكن اندلاع الحروب بين إسبانيا و المغرب بعضَ سكان إسترامادورا Estramadura من الذهاب للعيش نهائيا ببلاد المسلمين ”en tierra de moros’’”, كما حصل لفرانسيسكو دي إيريديا Francisco de Heredia من سكان يريناLlerena, الذي شارك سنة 1578 بالحملة الصليبية البائسة ضد المغرب و التي قادها ملك البرتغال دون سيبستيان: لقد اعتقله ملك فاس –في معركة واد المخازن المجيدة-, فتقبّل بسهولة وضعيته الجديدة, فتسمى باسم إسلامي هو عبد الله كنفون Abdala Ganifon. و رآه شاهدان مسلما يمشي بزي المسلمين و يتواصل مع مسلمي مدينة فاس كعبد لملكها(16). سنوات بعد ذلك اعتُقل بالبحر المتوسط خوان من بطليوس Badajoz, أسره ريّس ريشان reachen و اقتيد إلى العرائش: هو الآخر قبِل بسرور حياته الجديدة و توعّد كل من ينعته بالنصراني, بل و أقنع العديد من الأسرى النصارى باعتناق الإسلام (17).

في أشبيلية

سنة 1583 و 1592, أحرقت محكمة تفتيش إشبيلية عبدين مورسكيين حاولا للمرّة الثانية الفرار من إسبانيا. فقد غادر ألونثو مارتن Alonso Martin بلدة مدينة شذونة Medina Sidonia ,حيث يقطن سيده كريستوبال سانشيث أرويوCristobal Sanchez Arroyo , للالتحاق بالبحر المتوسط ”للعبور إلى بلاد البربر و اعتناق الإسلام”. خلال التحقيق معه اتهمه أربعة شهود بحضوره إلى البحر و بحثه عن قارب بمعية رفيق له” (18).

في غرناطة
في مناطق أخرى كللت محاولات البعض بالنجاح. كحال 3 مورسكيين من غرناطة, اثنان من متريل Motril و 10 من أورخيبا Orjiva نجحوا في العبور إلى بلاد البربر بفضل وصول قوارب لأصدقاء لهم جاءت للبحث عنهم. في هذه الأثناء كانت حرب البشرات قد حمي وطيسها, لهذا تشددت محاكم تفتيش غرناطة في معاقبة المورسكيين. فحُكِم غيابيا على بيدرو لوخي Pedro Lauxi بالموت حرقا رفقة 12 من أصحابه لأنهم ”غادروا إلى بلاد البربر سنة 1569م رفقة المسلمين الذين جاءوا لاصطحابهم” (19). أما الذين اعتُقلوا فكان مصيرهم الموت حرقا جزاءا ”لخيانتهم” (20). 
في بلنسية
بالرغم من معاقبة محكمة التفتيش ببلنسية ”جريمة الفرار” بالموت, فإنها لم تستطع منع مورسكيي منطقة غاندية Gandia, و خاصة وادي خالون Jalon, من إيجاد الوسائل اللازمة للهروب من سبانيا. ما بين 1587 و 1590, عبر 16 مورسكيا من أهل هذه المنطقة إلى شمال إفريقيا على متن قوارب جاءت لحملهم. بينما حطت فرقاطة قرب بولوب Polop و حملت 6 رجال من سنيخة Senija و أربعة من خالون Jalon. ملابسات هذه العملية كشف عنها محضر مكيل بابا من بني دوليغ Benidoleig الذي حُكم عليه غيابيا بالموت حرقا’ و جاء في محضر اتهامه: ”نزل ببلاد البربر بواسطة فرقاطة حطت قرب بولوب” (21).

غير أن العبور لم يكن دائما مجانيا و قد كان الثمن مرتفعا أحيانا إلى حد منع البعض من مغادرة إسبانيا. سنة 1574, وقع اتفاق بين مورسكيي غاندية و أمير البحر بمدينة الجزائر مامي أرناؤوط Mami Arnaute, جهّز بموجبه مامي سبعة سفن كبرى استعداد لنقل جميع مورسكيي ربض غاندية (22). لكن المبلغ الذي أراد المورسكيون دفعه (24الف دوقية ) لم يُقنع مامي الذي طالب ب 30 ألف دوقية, فأُلغيت العملية و أبحرت السفن في اتجاه آخر (23).

بعض الذين نجحوا في العبور إلى تركيا أو بلاد المغرب عملوا كحلقة وصل بين المورسكيين و باقي العالم الإسلامي (24).

الهوامش:

(11) الأرشيف الوطني الإسباني AHN Inq leg 196 n°19. من كتاب ”المورسكيون الاندلسيون و المسيحيون: المجابهة الجدلية” للباحث الفرنسي لوي كاردياك, تعريب د. عبد الجليل التميمي. ص 82.

(12) الأرشيف الوطني الإسباني AHN Inq leg 2603. من كتاب ”المورسكيون الاندلسيون و المسيحيون: المجابهة الجدلية” للباحث الفرنسي لوي كاردياك, تعريب د. عبد الجليل التميمي. ص 82.

(13)للمزيد من المعلومات عن الطرق التي انتهجها المورسكبون بأراغون للهجرة يرجى مراجعة أطروحة الفرنسية Fournel-Guerin Jacqueline (المورسكيون الأراغونيون) ص 281.283.

(14) الأرشيف الوطني الإسباني AHN Inq lib 988 f°119.

(15)الأرشيف الوطني الإسباني AHN Inq lib 988 f°261

(16)الأرشيف الوطني الإسباني AHN Inq lib1 988 f49

(17)الأرشيف الوطني الإسباني AHN Inq lib1 988 f°49

(18) الأرشيف الوطني الإسباني AHN Inq leg 2075/8 f°25

(19)الأرشيف الوطني الإسباني AHN Inq lib 1953/54

(20) نفس المصدر. يتعلق الأمر بألونسو فاسردو القاطن بمتريل.

(21) الأرشيف الوطني الإسباني AHN Inq lib 937 f°39.

(22) ) الأرشيف الوطني الإسباني AHN Inq lib 548/1 f°1.. و هو محضر عبد الله علي كشيت.

(23) نفس المصدر.

(24) يرجى مراجعة بحث الدكتور فرناند بروديل ”البحر المتوسط و العالم المتوسطي في فترة فليب الثاني. ص 582-583.

المراجع :

-”المورسكيون الاندلسيون و المسيحيون: المجابهة الجدلية” للباحث الفرنسي لوي كاردياك, تعريب د. عبد الجليل التميمي.

-‘’Quand on brûlait les morisques’’ للباحثة الفرنسية جان فيدال.

صلة الرحم بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق