الأحد، 10 فبراير 2013

الأثر الأندلسي اليوم : "الفلامنكو" مثلا. مقال للإسباني الأندلسي أنطونيو مانويل.


في 11 مايو 2011 الساعة: 22:20 م

الأثر الأندلسي اليوم : "الفلامنكو" مثلا. مقال للإسباني الأندلسي أنطونيو مانويل.

كتبه أنطونيو مانويل رودريغيث راموس, ملحن و أستاذ بجامعة قرطبة. 




مياومون و مياومات أندلسيون في قرطبة يتدكرون لعبة "العقرب" الأندلسية. حتى زيهم
يدل على تشبتهم بالثقافة الأندلسية إلى اليوم.






كاتب المقال الاندلسي أنطونيو مانويل رودريغيث راموس موسيقي و أستاذ بجامعة قرطبة
 










































(ملاحظة: روابط مقتطات من فيديوهات محاضرات أنطونيو مانويل مترجمة إلى العربية أسفل هذا المقال")

ترجمة هشام زليم.

"كان سني 13 سنة عندما اكتشفت أن الأًسِرًّة لا تُوضّب لوحدها, فقد كانت تهيؤها والدتي. كانت أيضا تعد الطعام, تمسح المائدة ,تنظف الأرض و الصحون, و تغسل الملابس و تنشرها. كل هذا بمفردها. لم يفسر لي أحد أنه لم يكن هناك شيء يجبرها على ذلك. عندما بلغت سن الثلاثين, عرفت أن أبي كان, أيضا, رجلا, و أنه لم يكن كاملا. أنا الآن أب, غير كامل, و رجل. في السن الخامسة و الثلاثين, تعلمت أن حجم الضرر يقيسه من يعانيه و ليس من يتسبب به. 

لا يوجد هناك شيئ أكثر شناعة من تكيفنا مع الشكل الاجتماعي و السياسي الذي فرضه آخرون علينا, حتى صرنا لا نشعر به. أعرف نساءا و رجالا يكافحون يوميا حتى نتعلم رؤية التمييز الجلي الذي يُمارس ضدهم و يعانون منه. لحسن الحظ, قد نشرنا ثقافة "حقوق المرأة" و "البيئة", كما استطاعت حركات سياسية و اجتماعية أخرى إظهار ما خفي. لكننا لازلنا نتصرف كالعمي أما آلاف الآثار المخفية التي تُظهر إشارات على هويتنا المشتركة. 


زُرت السنة الماضية المسجد الكبير لمدينة أكديز بالنيجر. أنا لست مسلما, لكن كان علي تقليد من يقوم بالوضوء الأصغر للدخول إليه: بعد نطق "البسملة" (بسم الله الرحمان الرحيم) يمضمض المسلم فمه, يستنشق ثم يستنثر. بعدها يغسل يديه و ذراعيه من أطراف أصابعه إلى مرفقيه. ثم يمسح رأسه من طرف إلى طرف. و في الختام يصب الماء على كاحليه ليغسل قدميه. هكذا بالضبط يتنظف والدي قبل الطعام. و هكذا كان أجدادي من جهة الأم و الأب يتنظفون. و كذلك آباء أجدادي, و الفلاحون المياومون الذين تقاسمت معهم المأساة في مراهقتي, و الكثير من البنائين و الحرفيين. ففي النهاية, جميعهم من ذرية الأندلسيين. فالعديد من المورسكيين و اليهود المتحولين بقوا في شبه الجزيرة الأيبيرية. طائفة كبيرة هاجرت إلى المنحدرات الداخلية للعيش في الأكواخ و الكهوف المنعزلة عن المناطق الحضرية,  متجولين أو مجتمعين في مناطق جبلية يصعب الوصول إليها. 


لقد كانوا الفلامنكو, لأن كلمة فلامنكو, في النحو, مقتبسة من الكلمتين العربيتين: "فلاح-منكوب", أي مطرود, مهمش, مُجرُّد من أرضه و لسانه و دينه. لكنه ليس مجردا من ذاكرته. لقد كظم الفلامنكو (الفلاحون المنكوبون) ألم الضياع لينشدوا في انفراد موسيقاهم الشعبية بحنجرة مملوءة بالدم. هكذا وُلدت "الكانتي خوندو" « Cante Jondo »  "الأغنية العميقة". إنه التعبير الغامض و المجهول عن ألمهم الشخصي. يرفع المنشدون السبابة و يذكرون اسم الله "أولي Olé" تعظيما لاسم الجلالة. بينما يرتلون وسط التصفيق بداية ”الشهادتين" (لا إله إلا الله).ثم يغمضون أعينهم و هم ينشدون: "جزر الوادي الكبير التي رحل منها الموروس الذين أبوا  الرحيل" و " ما أروع المرور من طريانة و مشاهدة "البرج الذهبي" بلا أجراس". لا يفهمون ما يقولون, لكنهم يحسون به.

 في القرى ذات الاستيطان المورسكي الكثيف بسهل الوادي الكبير, كان الفلاحون المياومون و المياومات يلهون في شكل دائري, يمررون حجرا, و هم يرددون هذه الأغنية: " 


El alacrán de dos pantallas

العقرب ذو الوجهين

a su lado brillaba el sol

بجانبه كانت تلمع الشمس

San José le dio a la erre

القديس يوسف أعطاه ل’إيري”

Con el trique, trique, tron

بتريكي تريكي ترون

Simpático, simpático

رائع, رائع

Que vengo de lavar

للتو غسلته

Con el verde olivar

بخضرة شجرة الزيتون

Con el trique, trique, tron

بتريكي تريكي ترون.



قد تبدو هذه الأبيات بلا معنى,  مثل العديد من الأناشيد الشعبية الأخرى. لكن الأمر ليس كذلك. لقد ظل المياومون الفلاحون يرددون صلاة مورسكية دون أن يعلموا. إنه وِرد مثير ارتدى قناع لعبة, يغير وجهه عند كل تغيير صوتي, مثل تبادل السلام.  لقد حول المورسكيون العبارات الممنوعة إلى نبرات أعجمية مشابهة. في هذا النشيد, يصلون صلاة تدعى "صلاة الحاجة". فخلف عبارة El alacrán”"-إيل ألاكران-  تختفي "القرآن". و قولهم : " “L’quran debdo ivantalla”يعني: "القرآن هو شريعة إلزامية و مربحة". ثم يقولون "رسول الله" من خلال عبارة " (“a su lado”)-التي تُنطق "أسولادو"- في إشارة إلى نور الرسول. أما عبارة “San José” فتُلمّح إلى اسمين من أسماء الله الأكثر استعمالا في الأحاديث San/Sanant (القدوس) و Juje الحكم. أما  (“a la erre”) فتشير إلى "الله الرازق", في إشارة إلى الطعام, الرزق و العناية الإلهية. بينما Trique ترمز إلى "الذِكر". و الذكرى هي صلاة جماعية تُكرر باستمرار و تحوي عادة آيات من القرآن. أما قولهم: “Que vengo de lavar/con el verde olivar” – و تُنطق: كي بينكودي لافار/كونيلفيردي أوليفار- فليس سوى التكييف الصوتي لجملة التكبير: "الله أكبر". أما قولهم "أنهم غسلوا للتو" فتشير إلى الوضوء. و هو العمل الواجب القيام به قبل كل صلاة و المألوف قبل الطعام. أما olivar (شجرة الزيتون) فتحيل إلى المكان الذي يشتغلون فيه, بينما el verde (الأخضر) فهو لون الإسلام و الأمل, و اللون المشكِل للعلم الأندلسي. 


أستطيع ذكر ألف مثال إضافي تبين كلها استمرار الهوية الثقافية الأندلسية في القرن الحادي و العشرين. هذه الأمثلة تحوي جميعها عاملا مشتركا: إنه الفلاح-المنكوب (الفلامنكو). إن الفلاحين-المياومين المهميشن هم من حموا الذاكرة الثقافية لطائفتنا خلال الجمهورية الإسبانية الثالثة. إن الفلاحين-المياومين و الحرفيين يشكلون الخزان الثقافي لماضينا في إطار حاضرنا. أما أبناءهم: نحن, أنا, فإننا جيل النسيان. بعد قرون طويلة من العيش في حياة متجاهلة لمعالم هويتنا الجماعية, أصبح من الواجب علي أنا, و علينا جميعا, كشف المستور, فهم و تذكر ما أكل آبائنا و أمهاتنا, ما غنوه, ما لعبوه, كتعبير معاصر للكفاح ضد الاجتثاث الذي تمارسه العولمة, تعبير شرعي مثله مثل الحركة النسائية أو البيئية أو التعدد الحزبي, من أجل تجنب ضياع الرسالة التي تًحمِلها ثقافتنا الألفية, فننسى من نحن.




كتبه أنطونيو مانويل رودريغيث راموس ملحن و أستاذ بجامعة قرطبة.


رابط المقال بالقشتالية: "

"La huella andalusí hoy


http://www.webislam.com/?idt=9348



توضيح:


كنت كلما حملت قلمي, قبل سنتين,  لترجمة هذا المقال, توقفت عند الأغنية التي يرددها المورسكيون, حيث لم أفهم بعض العبارات التي وردت فيها و ترددت في ترجمتها, فاتصلت ببعض الأصدقاء الأندلسيين في إسبانيا كي يعينوني في فهم تلك الأغنية, لكنهم أكدوا أنه لا معنى لها, و أنها عبارات وضعت في ذلك الترتيب لإخفاء عبارات إسلامية منعتها محاكم التفتيش. و حتى أتأكد من ذلك و لا أنقص النص من ترجمة تلك الأغنية, اتصلت بصاحب الموضوع الأستاذ مانويل رودريغث و استفسرته عن معنى تلك الأغنية في اللسان القشتالي, فأكد لي أنه لا معنى لها البتة, و أنه فقط تكييف صوتي لكلمات إسلامية و إخفائها في عبارات و أصوات لا تثير الشكوك. (المترجم).

صلة الرحم بالأندلس








هناك 4 تعليقات:

  1. العمل علي جمع الموروث المورسكي بكل تعبيراته امر ملح لفك شفراته و البحث على القواسم المشتركة مع التراث الأندلسي في شمال إفريقيا لإعادة تشكيل للهوية الأندلسية ولملمة شملهم حتي لا يطويهم النسيان و تذوبهم العولمة المتوحشة .

    ردحذف
  2. جزاك الله كل خير على هذا المجهود .. والبحث والتنقيب عن آثار المسلمين في إسبانيا . لك مني كل التقدير والثناء

    ردحذف
  3. جزاك الله خيرا أخي ..والله ما قرات موضوعا من موضوعاتك حتى نزلت دموعي على حال هؤلاء المسلمين او ما سميوا قهرا بالموريسك..اللهم ارحمهم واغفر لهم وابعث الاسلام في نفوس احفادهم حتى تبقى الاندلس دائما في قلوبنا جميعا / اخت من تونس

    ردحذف
  4. عمل في غاية القيمة ....من كان ليتخيل ان الفلامنكو هو مصطلح عربي بالاساسي متخفي في الفاظ قشتالية بهدف الحفاظ على الهوية الاسلامية ....انها براعة الموريسكيين في مجابهة اعتى ظروف المنع والحجر على الثقافة الاسلامية .....تشكرون على هذا الجهد المبذول ...بارك الله فيكم

    ردحذف