الخميس، 26 مايو 2022

مع نوتردام دو باري لفيكتور هيغو

 مع نوتردام دو باري لفيكتور هيغو


هشام زليم.



رواية نوتردام دو باري لفيكتور هيغو, واحدة من روائع الأدب الفرنسي التي لاقت قبولا كبيرا على الصعيد العالمي و استحقت بكل اقتدار مكانة مرموقة بين خالدات الأدب العالمي.

قبل الخوض في تراجيديا الرواية, لا بأس من الحديث عن السبب الذي دفع فيكتور هيغو عام 1830 لتأليفها و سبب اختياره اسم كاتدرائية نوتردام دو باري عنوانا لها.

كان الأديب الفرنسي فيكتور هيغو مشاءا لا يمل و لا يكل من التجوال بين الأزقة و على الطرقات يسرح بناظريه في أرجاء البلاد, فكان من الطبيعي أن تنشأ بينه و بين البنايات و الجدران و المعالم القديمة علاقة حب دفعته لتسخير قلمه دفاعا عنها من بطش أيادي التخريب الآثمة. لقد كان فيكتور على وعي بأنه يعيش عصر احتضار و تلاشي العمارة القديمة, الرومانية و القوطية, بفعل التدمير المتعمد, و الإهمال و التشويه تحت مُسمىَ التجديد العمراني.


كانت كاتدرائية نوتردام بباريس واحدة من أهم المعالم المعمارية التاريخية في العاصمة الفرنسية التي كانت تعاني الإهمال في عصر أديبنا الكبير, فجاءته فكرة تأليف رواية درامية خيالية تستند لحقائق تاريخية, تدور أحداثها في باريس و تحديدا في كاتدرائية نوتردام و ذلك قصد إثارة الانتباه لها و لغيرها من معالم العاصمة المنسية و المساهمة في إعادة الاعتبار لها. 

كان فيكتور هيغو يجد شيئا من الصدق في مقولة "الكتاب سيقتل البناء" و التي سادت في بعض الأوساط الدينية و الفنية بُعيد اختراع آلة الطباعة في القرن الخامس عشر, فقبل ذلك كان الانسان يُخلدُ أفكاره و منجزاته من خلال العمارة و التشييد, فكل بناء قديم هو كنز ثمين لحمله فكرة و رسالة مشفرة ينبغي فهمها و من تم الحفاظ عليه كما هو فلا يُهدم و لا يُشوه تحت أي مُسمى كان, خصوصا تحت ذريعة التجديد و التحسين المعماري.

الرواية

بطلة هذه الرواية و شخصيتها المركزية هي الراقصة الغجرية الحسناء الساذجة اسميرالدا التي استطاعت ببراءتها و رشاقتها و عُذريتها استيلاب عقول و قلوب أربعة رجال و لو بدرجات متفاوتة تراوحت بين النزوة العابرة و الحب الأفلاطوني.

العاشق الأول: الفيلسوف و الشاعر الفاشل بيير غرنغوار

بيير غرنغوار, فيلسوف و حكيم الرواية و كوميديها أيضا. كان أول من رغب في حب اسميرالدا, فلما رفضت نسي الأمر من أساسه و واصل حياته إلى جانبها دون عقدة أو مركب نقص أو حقد دفين رغم علمه بأنها لا ترى فيه سوى رجل تافه لا يقوى عى حماية نفسه فبالأحرى الدفاع عنها, بل هي من أنقذته من حبل مشنقة الخارجين عن القانون بقبولها الزواج منه شكليا عطفا عليه. كانت اسميرالدا تبحث عن رجل يحميها لا عالة تحميه هي, فلا شِعر بيير و لا فلسفته و ثقافته الواسعة مكنوه من قلب الغجرية, فظل زواجهما صوريا لم يتبادلا خلاله و لو قبلة واحدة. 


رغم فقره المذقع و هوانه على الناس, كان بيير غرنغوار يرى نفسه رجلا بئيسا لكن ليس تعيسا, ففلسفته في الحياة تسمح له بالتكيف مع جميع الظروف مهما صعُبت. و في نهاية القصة لما خُيِّرَ بين إنقاذ اسميرالدا أو عنزتها "دجالي", لم يتردد في اختيار العنزة التي كانت تواجه نفس مصير صاحبتها أي الإعدام, فالعنزة أولا و أخيرا بادلته الود بالود و العطف بالعطف.

كان قلب اسميرالدا يبحث عن رجل بمواصفات العاشق الثاني.

العاشق الثاني: النبيل الكابتن فبيس.

فبيس, ذلك الشاب النبيل القوي الوسيم الذي استطاع امتلاك قلب اسميرالدا بعد انقاذه لها من محاولة اختطافها من طرف الراهب و خادمه الأحدب. أُعجب الكابتن فبيس في البداية بالغجرية الحسناء, غير أن إعجابه لم يتجاوز حد الرغبة العابرة في قطف ثمرة عذريتها, فقد كانت تفصل بينهما حواجز كثيرة أولها اجتماعي فأصله هو فرنسي عريق و نسبها هي غجري مجهول, و ثانيهما عاطفي, ففبيس غير مستعد للتخلي عن حب الحسناء  فلور دوليس له و هي ذات الحسب و النسب الفرنسي العريق. مع ذلك أحبت اسميرالدا فبيس حبا جما و وضعت كل بيضها في سلته. لكنه كان غير جدير بهذا الحب و هذه الثقة حيث سرعان ما نسيها بينما بقيت هي تعيش على ذكراه و تنتظر عدوته. كاد فبيس يبلغ مراده بالنيل من عذريتها بعد سلمت له ذات يوم نفسها طواعية لكن طعنة العاشق الثالث لفبيس منعته من ذلك و أنقذت شرف اسميرالدا و حفظت عذريتها.

العاشق الثالث: الراهب فرولو

كلود فرولو, راهب كاتدرائية نوتردام الذي وهب حياته للكنيسة, للعلم الديني و  لتربية شقيقه. كأي راهب ملتزم كبح فرولو جماح غريزته الانسانية بالانغماس في الصلوات و المطالعة و تجاربه الكيميائية في انتظار ملذات الدار الآخرة. لكن نظرة واحدة إلى الغجرية اسميرالدا و هي ترقص كانت كافية لتقلب كيانه رأسا على عقب, فقد أتاه حينها هواها قبل أن يعرف الهوى, فصادف قلبا خاليا فتمكن. كرجل دين ورع, رأى فرولو في هذه الفتاة الفاتنة تمثُلا للشيطان الذي يريد إغواءه و حرفه عن الصراط المستقيم, فحاول بشتى الطرق محاربتها و اقتيادها إلى حبل المشقة لعل موتها يقتل الشيطان الذي بداخلها و يريح قلبه من عناء حبه لها. في خضم هذه المعركة, ارتأى فرولو تغيير الاستراتيجية فصارح اسميرالدا بحبه و اقترح عليها الهروب معه إلى مكان بعيد يعيشان فيه لوحدهما, لكنها رفضت حبه و اقتراحه رفضا قاطعا خصوصا بعد محاولته الفاشلة لقتل حبيبها فبيس حيث أصبحت ترى في الراهب القاتل المجرم, فزاده ذلك إصرارا على اقتيادها إلى حبل المشنقة. فدلَّ جلاديها على مكان اختبائها, فكان السبب في إعدام السلطات لإسميرالدا بتهمة ممارسة السحر.

العاشق الرابع: كازيدمودو,  أحدب نوترادم.

كازيمودو أو "شبه المكتمل", قارع أجراس كاتدرائية نوتردام, هذا المخلوق الأحدب, الأصم, الأعرج, الأعور, النسخة المشوهة للإنسان و للحيوان, هو الوحيد الذي أخلص في حب اسميرالدا و لم يبغي مقابلا لحبه لها, وضع حياته رهن تصرفها, فخدمها بكل تفان مسترخصا الغالي و مستسهلا الصعب في الدفاع عنها. بقي كازيمودو على وفائه لاسميرالدا رغم تقززها من منظره القبيح, فكان ينام أمام باب غرفتها و لا يخدمها إلا ليلا حينما تكون نائمة حتى يجنبها رؤية منظره القبيح. كانت شربة ماء قدمتها له اسميرالدا في وقتٍ رفض الجميع سقايته وراء إخلاصه لها إلى الأبد.

بعد إعدام الغجرية اسميرالدا, اختفى كازيمودو عن الأنظار و لم يُعرف خبره إلا بعد عامين على واقعة الإعدام.

بعد إعدام الغجرية, وُضعت جثتها في قبو مع جثت ضحايا آخرين. بعد سنتين فُتح القبو لاستخراج إحدى الجثت, فوجدوا هيكلا عظميا لشخص مشوه الخلقة يعانق هيكلا عظميا لامراة, أرادوا فصل الهيكلين العظميين لكنهما فشلوا. كان هيكل كازيمودو معانقا لهيكل اسميرالدا. فبعد اعدامها و وضعها في القبو, قدِم كازيمودو إلى هناك و عانق محبوبته عناقا أبديا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق