الاثنين، 16 مايو 2022

مارستان غرناطة يستعيد مجده: أول مستشفى في الأندلس و أول مصحة للأمراض العقلية في أوربا

مارستان غرناطة يستعيد مجده: أول مستشفى في الأندلس و أول مصحة للأمراض العقلية في أوربا


هذا المقال هو ترجمة لمقال في صحيفة إلكونفدينسيال El Confidencial الإسبانية.

عنوان المقال : El primer hospital de Al-Ándalus vuelve a la vida: el Maristán de Granada recupera su esplendor

 (أول مستشفى في الأندلس يعود إلى الحياة: مارستان غرناطة يستعيد مجده).

كاتب المقال: غونزالو كابا Gonzalo Cappa. 

تاريخ المقال في صحيفة إلكونفدونسيال: 7 مارس 2022.

ترجمه للعربية: هشام زليم.  صلة الرحم بالأندلس

أول مستشفى في الأندلس يعود إلى الحياة: مارستان غرناطة يستعيد مجده.

بُنيَ عام 1367م و كان يُعتبر في عصره أول مصحة عقلية في أوربا. في ال655 سنة من عمره كان مصنعا لسك العملات, مخزنا للخمور و مأوى للسكان.



بات مارستان غرناطة على وشك أن يبلُغَ أوجَ رحلةٍ طويلةٍ و وَعرةٍ عبر القرون. المبنى يعود للعهد النصري و قد شيده محمد الخامس عام 1367م, أي سنتين بعد تشييد بهو السبع في قصر الحمراء, و كان أول مستشفى في الأندلس قبل أن يصير بعد ذلك أول مصحة عقلية في أوربا. مع دخول الملكين الكاثوليكيين في القرن الخامس عشر تحول إلى مصنع لسك العملة, و مع مرور الزمن تحول إلى مخزن للخمور ثم مأوى للسكان, أما في السنوات الأخيرة فاستحال إلى خراب آيل للسقوط. لكن و منذ أن اشترته حكومة إقليم الأندلس عام 1987, صار دائم التواجد في أجندة الإجراءات الاستعجالية, لكن أشغال إعادة بعض من مجده المفقود بفعل الإهمال و الجهل لم تنطلق إلا عام 2020. و قبل أن ينتهي شهر مارس الجاري (من سنة 2022) ستنتهي الأشغال التي مكنت من استعادة شطر مهم من تاريخ مملكة بني نصر.

  1. الوضعية التي كان عليها مارستان غرناطة عندما انطلقت في فبراير 2020 أشغال التجديد

خلال العقود الاخيرة, غطت المبنى طبقةٌ من الأسبتوس المموج. و تمثلت أولى إنجازات مشروع الترميم في إزالة هذا الغلاف المُرتَجل الذي بدا كأنه لن يزول أبدا. المهندس المعماري المسؤول عن المشروع بيدرو سالمرون Pedro Salmeron أشار إلى أن البوابة الجنوبية و التي كانت مسرح الشطر الأول من الأشغال, كانت في "حالة خراب تام" حتى تكفلت إدارة الحمراء و قصر العريف بتسييره و وفرت الوسائل اللازمة للتصرف بشكل استعجالي, و يشير المهندس قائلا:"حتى ذلك الحين أجريت دراسات و عمليات أركيولوجية جزئية, و لكنها لم تتم أبدا بشكل منسق من أجل استعادته".

لقد كان المارستان خرابا "من طبقة النبالة الرفيعة", لكن المواد كانت في حالة تدهور "متقدم جدا". حيث كانت مكونة من تربة مدكوكة ليست بجودة تلك التي استُعملت بالكاد قبل سنتين (عام 1365م) في بناء الحمراء, أما الأعمدة فكانت مُشكَّلة من الطوب, بينما كانت واجهات الطوابق و السقف من الخشب. يقول سالمرون: "التحدي كالتالي: حينما تكون المادة كافية من أجل القيام بعملية تعزيز, فقانون التراث يسمح لك باستعادة ما يمكنك استعادته, و إذا كان عليك إضافة أمر ما فعليك التأكد من كونه معاصرا له, حتى لو كانت هذه الإضافة غير لافتة للنظر"



من أجل استعادة المارستان تم تجميع أعمدة الطوب المنهارة و ترميمها في المعمل و إعادة دمجها. أما التربة المدكوكة التي كانت في حالة "سيئة" فتم تقويتها, بينما استُعيد كل الخشب المتبقي. أما سقف الأسبتوس المموج فقد تم استبداله بالخشب.  كما تم تجنب محاولة خداع الزائر عبر تشييد واحدة من تلك الفترة, حيث يشير سالمرون إلى أنه "يبدو جليا أنها بنية حالية" مُعرِّضا ببعض الأعمال التي لم تدخل في إطار مشاريع "إعادة البناء التاريخي" و التي أضرت كثيرا بالتراث خلال القرن الماضي. و هذا العمل يتماشى مع ما أشار إليه طوريس بالباس Torres Balbás في بدايات القرن العشرين  الذي أنقذ الحمراء من تشويهات المهندسين المعماريين أصحاب الخيال الجامح. "يجب الحفاظ على المنشآت كما أوصلوها لنا, مع حفظها من الخراب, دعمها, تعزيزها, و هذا كله دوما مع كامل الاحترام للعمل الأول, دون الإضافة لها أبدا و من دون إعادة إقامة الأجزاء الموجودة".
  1. الوضعية التي كان عليها مارستان غرناطة عندما انطلقت في فبراير 2020 أشغال التجديد


هذا و يُعدُّ ترميم المارستان أحد الإجراءات الأكثر أهمية في العقود الأخيرة فيما يخص استعادة التراث الإسباني المسلم. ثم جاء وباء كورونا فايروس. فبالكاد انطلقت الأشغال في بدايات 2020 حتى توقف النشاط كليا بعد بسط الوباء سيطرته على كامل البلاد. بالإضافة إلى أن الأزمة العامة في التموينات أثرت كثيرا على الأشغال.  لقد كان على المسؤولين على الترميم دخول معركة أسواق تعددت فيها المصالح المتضاربة, و في ظرفية اشترى فيها الأمريكيون و الصينيون كل الخشب من المزودين, حسب ما يرويه سالمرون بخصوص التقلبات التي شهدتها السنتين الماضيتين بخصوص المعلمة القريبة من الحمراء.

مع تقدم الأشغال تم تحقيق اكتشافات مهمة حول ماضيه كدار لسك العملة. "لم نكن نعلم بوجود بقايا أفران كاملة ظلت مندمجة في الرصيف" يشرح المهندس المعماري بخصوص عنصر سيفاجئ الزائر بسبب عدم تناسقه مع هيكلة العصر الوسيط. 

اكتشاف عظيم آخر تمثل في العثور على معبر صغير كان يربط المارستان ببستان يقع في الجنوب, كانت تُزرعُ فيه بلا شك خضروات و نباتات طبية.

هكذا إذن, خرج هذا المستشفى النصري من العناية المركزة و صار منشأة معادة التكوين, لكن بمواده هو نفسه, باحتساب أخشاب تلك الفترة التي كانت محروقة و أعيد وضعها في البلاطات. أيضا عندما تم تغطية الأتربة المدكوكة زُودت بتقنيات "مقاومة" حتى لا تسبب لها الزلازل, التي أضرت عام 2021 بأجزاء كثيرة من كاتدرائية غرناطة, أضرارا بالبنية الجديدة.

أما الأسود التي كانت رابضة في البِركة alberca و التي نُقلت في الوهلة الأولى إلى قصر برطال Partal فلن تعود إلى موقعها الأصلي. فرغم "حضورها الخارق و قوتها الخيالية" فقد كانت في حالة يرثى لها, و قد حُملت إلى متحف الحمراء حيث تم ترميمها و هي الآن تُعرض للزوار في المتحف. "هذه "الأسود لن تبرح مكانها, و المقترح هو استنساخ مثلها و وضعها في البركة" بهذه العبارات يختتم سالمرون حديثه عن مرحلة جديدة من العمليات وجب الموافقة عليها في المستقبل.
أسود المارستان في متحف الحمراء


رهان إدارة قصر الحمراء و جنة العريف

تقول روسيو دياث Rocio Diaz المديرة العامة لإدارة الحمراء و جنة العريف: "يتمحور أحد أهدافنا في جعل حي البيازين يستفيد أيضا من تدبير المجمع الأثري و هذا المشروع هو مثال جيد على ذلك", كما سلطت المسؤولة الضوء على الجهد الذي قامت به الإدارة الحالية في السنوات الأخيرة للتعريف بالواقع الثقافي و التراثي لغرناطة و تنفيد مشاريع طولب بها منذ سنوات.

و تشير روسيو دياث إلى "إن استعادة المارستان, و الذي من شأنه تقوية الروابط بين الحمراء و حي البيازين الغرناطي, كان مطلبا تاريخيا لغرناطة و أحد التزامات رئيس حكومة الاندلس خوانما مورينو Juanma Moreno اتجاه الغرناطيين بعد عقود من النسيان و نكث الوعود من الحكومات السابقة". و كشفت المسؤولة على أنه في أواخر شهر مارس الحالي أو أوائل أبريل " سيكون بإمكاننا إنهاء و استيلام الشطر الاول من أشغال ترميم و تعزيز البوابة الجنوبية لمارستان غرناطة".

المديرة العام أوردت أيضا أن الأشغال تطلبت استثمارا قدره مليون و مئتي ألف يورو وفرها الصندوق الأوربي Feder.

جرد تاريخي للمارستان.

"فاخترع (السلطان) ب (ببناء المارستان) حسنة  لم يُسبق إليها من لدن دخل الإسلام هذه البلاد", هذا الجزء المقتطف من اللوح الرخامي لنص ذكرى بناء السطان للمارستان يُعزز النظرية القائلة بأن المارستان هو أول مستشفى أندلسي, و هو أمر موثق بأدب تلك الفترة و بالبقايا الأركيولوجية.

حسب دراسة لأنطونيو كامبوس Antonio Campos عضو الأكاديمية الملكية الوطنية للطب, و فرناندو خيرون Fernando Girón عضو الأكاديمية الملكية للطب و الجراحة في الأندلس الشرقية, ارتبط إنشاءه بوباء الطاعون الذي عصف بغرناطة ما بين 1348 و 1350م, و الذي سبَّب موت الكثيرين. المئات من السكان المعدومين وجدوا أنفسهم في حالة ضعف تام. في نفس الوقت,  سياسة بناء المستشفيات في مدن شمال إفريقيا التي انتهجها أبو عنان فارس المريني و الذي كانت له صلة وثيقة بمحمد الخامس أثناء منفاه (في فاس), "شجعت من دون شك بشكل إيجابي على بناء المارستان" الذي كان يُعدُّ آنذاك بمثابة مستشفى عام.

الطبيب الألماني خيرونيمو منزر Jerónimo Münzer الذي زار غرناطة سنتين بعد استيلاء الملكين الكاثوليكيين عليها عام 1492م أكَّد أن "هؤلاء رفعوا من التبرعات لمستشفى المجذومين (مستشفى سان لورنزو مستقبلا) و لدار المجانين (المارستان) و كلتا المؤسستان للمسلمين moros". و هذا يشير إلى أن المارستان, على الأقل في ذاك الوقت, كان خاصا بالمرضى العقليين. "من الممكن أنه بتوالي سنوات القرن 15, و مع عدم وقوع أي وباء خطير, اتُخذ القرار بتحويل المارستان إلى مركز لاستقبال المرضى المجانين الفقراء و للأشخاص ذوي الاختلال العقلي. ومعروف الاحترام الكبير الذي يحضى به مثل هؤلاء الأشخاص في العالم الإسلامي" بهذه العبارات اختُتمت دراسة أنطونيو كامبوس و فرناندو خيرون و التي نُشرت في مجلة "مذكرات الحمراء" Cuadernos de la Alhambra التي تُصدرها إدارة المَعْلمة.   

هذا تاريخ المارستان, المستشفى النصري, الذي بعد 655 عام تحول من خراب إلى معلمة صالحة للزيارة.


ترجمة هشام زليم.
صلة الرحم بالأندلس.

هناك 3 تعليقات:

  1. شكراً جداً للجهد في جمع المادة العلمية والتوثيق واثبات سبق الحضارة الاسلامية في الاضافة والعمران والنهضة بشبة جزيرة ايبيريا وبالاندلس والرعاية الصحية والنفسية للسكان دون تفرقة اجتماعية (الفقير مثل الغني) ما يدل علي عدم التفرقة حتي في الدين! واحسب ان الجميع مسلم + يهودي+ مسيحي سواء تلقي العناية الفائقة اللائقة . سيكون جميل جدا وضع صورة اللوح الرخامي لانشاء البيمارستان للمرجعية.

    ردحذف
  2. ومن جديد، نجد تأثر الأندلس بالمغرب، فالمرينيون كانوا أصحاب الفضل في بنائه

    ردحذف
  3. حتى زخرفة قصر الحمراء ...ءابو الحجاح يوسف و ءابنه محمد الخامس اللذان قاما بتزيين القصر كانت لهما علاقة وطيدة مع السلاطين المرينيين اللذين ءامدوهم بالحرفيين و المعرفة اللازمة.

    ردحذف