الأحد، 10 فبراير 2013

النص الكامل للمرافعة الشهيرة للمورسكي فرانثيثكو نونيث مولاي عام 1567 دفاعا عن المورسكيين




النص الكامل للمرافعة الشهيرة للمورسكي فرانثيثكو نونيث مولاي عام 1567 دفاعا عن المورسكيين


هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالاندلس..


يوم فاتح يناير 1567 أذاعت السلطات الإسبانية في غرناطة قانون يضم سلسلة بنود و أوامر تهدف لمحو ما تبقى من السمات الحضارية للشعب المورسكي الأندلسي في مملكة غرناطة, فكان على المورسكيين بموجب هذا القانون الالتزام بما يلي:


1-      حظر التحدث و القراءة و الكتابة باللغة العربية خلال فترة ثلاث سنوات.
2-      إلغاء كافة العقود التي تحرر باللغة العربية.
3-      أن تُقدُّم الكتب العربية التي بحوزة المورسكيين في ظرف شهر إلى رئيس محكمة غرناطة, و أن تُعاد الكتب إلى أصحابها بعد فحصها إذا لم يكن هناك ما يمنع من حيازة الشخص المؤمن لها, و يتم الاحتفاظ بالكتب المعادة إلى أصحابها لمدة ثلاث سنوات.
4-      أن يرتدي المورسكيون ملابس قشتالية, و ألا يرتدوا السراويل, و الملافح, و أن تسير الموريسكيات في الشوارع و وجوههن مكشوفة.
5-      أن يتبع المورسكيون – في زفافهم و سهراتهم و احتفالاتهم- عادات المسيحيين, و أن يفتحوا أبواب منازلهم و نوافذها, و ألا يرقصوا رقصة السمرة, و ألا يقيموا الليالي بأغنيات و آلات مورسكية, حتى لو كانت لا تتعارض مع المسيحية.
6-      ألا يوقر المورسكيون يوم الجمعة.
7-      ألا يستخدموا أسماءا و ألقابا عربية.
8-      ألا تتخضب المورسكيات بالحناء.
9-      ألا يستحم المورسكيون في الحمامات, و أن تُهدم الحمامات الموجودة.
10-   أن يُ "الغزاة" من إسبانيا, و ألا يكون للمورسكيين عبيد من الغزاة.
11-   أن تُراجع التصاريح الخاصة بامتلاك عبيد سود. (1)

لم تكن هذه المرة الأولى التي يُحظر فيها على المورسكيين لغتهم و ملابسهم…إلخ, لكن المورسكيين كانوا يتمكنون – من خلال ثرواتهم- من تأجيل اللحظة التي توضع فيها هذه الإجراءات موضع التنفيذ. (2)

في هذه المرة, لم يكن الأمر كذلك فقد كانت السلطات القشتالية عازمة على تنفيذ القرار مهما كلف الأمر. لقد حاول المورسكيون بكل الوسائل السلمية وقف تنفيذه, فعملوا أولا على تخفيف ما أصابهم بالتفاوض. فرفعوا احتجاجاتهم إلى الرئيس ديسا, رئيس المجلس الملكي الكورتيس يطلبون منه إلغاء هذا القانون, أو على الأقل تأجيل تنفيذه. فتقدم باسمهم وفد يرأسه رئيس جماعتهم مولاي فرانثيثكو نونيث . لكن ديسا قابل الوفد بكل غطرسة و إهانة و إهمال. فأرسل المسلمون آنذاك وفدا إلى الملك فليبي الثاني و إلى وزيره المفتش العام الكاردينال سبينوزا. ترأس الوفد خوان أنريكث, و هو رجل مسيحي يعطف على المسلمين و يدافع عنهم. و تضمن الوفد مسلمين من أعيان الأندلسيين هما خوان فرنانديث من غرناطة و فرناندو الحبقي من وادي آش. اجتمع الوفد بأعضاء الكرتس و بالكاردينال أسبينوزا, دون فائدة, إذ أجاب الكاردينال أن الملك مصمم على تنفيذ القانون و أن العرائض يجب تقديمها لديسا على أي حال. و طلب ديسا من جهته من الكاردينال تنفيذ القانون بصرامة و قسوة بصفته المفتش العام. 

و تقدم الماركيث دي مندجر, حاكم غرناطة, بعريضة إلى الملك أوضح فيها خطورة الموقف لاعتراض المورسكيين على القانون و احتمال ثورتهم بسبب اليأس و طلب مساعدة أتراك الجزائر. فلم تأت عريضته بنتيجة, و أخذت السلطات الكنسية تنفذ الأحكام الجديدة في المواعيد المخصصة لها بكل شدة. (3)

و حين لم يكن هناك مجال للتأجيل طلب المورسكيون من فرانثيثكو نونيث مولاي (4) تقديم آخر و أشهر مرافعاته, فأرسل مذكرته الشهيرة إلى رئيس محكمة غرناطة, لكنها لم تحقق أدنى درجة من النجاح حيث ذهبت الحجج التي ساقها أدراج الرياح. يقول كابريرا دي كوردبا إن ديسا – بعد أن سمع المرافعة- قال بجفاء: ”إنها نفس الحجج القديمة, و ليست كافية لإلغاء القرار" (5). أمام هذا التعنت, كان تنفيذ هذه القرارات هو السبب الرئيسي في اندلاع ثورة البشرات (1568-1570م) (6)

لقد دافع فرانثيثكو نونيث مولاي في مذكرته عن مصالح الشعب المورسكي و أيضا عن مصالح الطبقة الاجتماعية الغرناطية التي ينتمي إليها (منع امتلاك المورسكيين للعبيد), و ردّ على كل بند من قرار المنع و استعمل في مرافعته أنواعا من الحجج و الأدلة:

·         الأدلة القانونية: كقوله مثلا ”…إن التنصير كان إجباريا و مناقضا للمعاهدة التي وقعها الملكان الكاثوليكيان…".
·         الأدلة الاقتصادية:  كقوله مثلا ”…ثم هذه الإيرادات الملكية التي تستفيد من البضائع المورسكية…لماذا تخسر؟…"
·         الأدلة الإثنية: كقوله مثلا "…إن لباسنا الخاص بالنساء ليس لباس المسلمين, بل هو زي إقليمي مثل زي قشتالة, و الزي الخاص يستعمله الناس في أماكن أخرى في الزينة و الأحذية, و من الذي ينكر أن زينا مخالف لزي الأتراك و المسلمين؟.."
·         الأدلة الطبية: كقوله مثلا "…بل هي عادة لتنظيف الرأس, إذ تخرج منها أي قذارة, و هو أمر صحي, و إذا وضع مع الحناء شيء فذلك لصبغ الشعر….بل هو شيء مفيد للجسم و يعالج الأمراض…".
·         الأدلة الدينية : كقوله مثلا عن حفلات الغناء و الرقص لدى المورسكيين "…بل إنني لا أدري كيف يقول أحد إنها حفلات مسلمين, لأن المسلم الصالح لا يتواجد في هذه الأماكن…".
·         الأدلة المنطقية: و هي كثيرة جدا في هذه المذكرة, نذكر منها قوله عن اللغة العربية: "…كيف يمكن أن يُحرم الناس من لغتهم الطبيعية التي وُلدوا و تربوا عليها؟…". و هذا يدل على أن اللغة العربية كانت متواجدة في غرناطة حتى حدود سنة 1567م – أي بعد 75 سنة على سقوط غرناطة. و لازال  جمع من الغرناطيين يتخاطبون بها, بل وكانت لغتهم الوحيدة.
كما استعمل فرانثيثكو نونيث أساليب متعددة للإقناع, و لم يستثني الأسلوب التهكمي:
-          أمام منع أن تغطي المرأة وجهها قال: ”…لن تجد الذميمات من يتزوج بهن…".
-          أمام منع الألقاب الإسلامية القديمة قال: ”…لو فكرنا في الأمر جيدا فإن المحافظة على الأنساب ترفع من شأن الملكين الكاثوليكيين اللذين تمكنا من الاستيلاء على مملكة غرناطة. .."
و هذا نص المذكرة كاملا (7):
"عندما تحول أبناء هذا الإقليم إلى المسيحية لم يكن هناك أي بند يجبرهم على ترك زيهم أو لغتهم أو العادات الأخرى التي يمارسونها في حفلاتهم ، و إحقاقا للحق فإن التنصير كان إجباريا ومناقضا للمعاهدة التي وقعها الملكان الكاثوليكيان عندما سلم  لهما الملك أبو عبد الله هذه المدينة ، وحينما كانا على قيد الحياة لم أجد – رغم سني – ثمة محاولة لنقض المعاهدة. بعد ذلك ، خلال حكم ابنتها خوانا ، بدا من المناسب ( لا أدري لمن ) أن يصدر الأمر بأن نتخلى عن الزى الموريسكي ، و قد تعطل تنفيذ هذا الأمر لبعض الأسباب ، وهذا ما حدث أيضا تحت حكم الإمبراطور كارلوس،و بعد ذلك حدث أن تجرأ رجل دنئ من وطننا – استغل حُسن أخلاق مخدومه السيد بولانكون عضو هذه المحكمة – فكتب فصولاٌ ضد القساوسة ولم يتبع رأي أعيان الرجال الذين يرون ضرورة إخفاء هذه الأمور ، فحصل على توقيع بعض أصدقائه على ما كتب وقدم كتابه إلى صاحب الجلالة ، وفي إثر ذلك ترافع السيد باردو راهب سان سالفادور بالبيازين عن القساوسة وأفاد بأن المتنصرين حديثا مسلمون ويعيشون كمسلمين، وأنه ينبغي إصدار أوامر لكي يتخلوا عن عاداتهم القديمة التي تمنعهم من أن يكونوا مسيحيين، وقد أمر الإمبراطور- كأمير مسيحي – بالقيام بزيارات عبر هذه المملكة للتعرف على أسلوب حياة أبناء غرناطة ، وتمت الزيارة وقام القساوسة أنفسهم بالزيارات ، وكانوا هم الذين شهدوا ضد المورريسكيين…….. من هنا جاء الاجتماع الذي تقررت فيه أمور تحد من امتيازاتنا ، رغم أننا حضرنا ذلك الاجتماع . ومنذ سنوات أراد السيد غاسبار دي أبالوس – عندما كان أسقفا لغرناطة – أن يحرمنا من زينا فبدأ بأهل القرى و أحال إلى هذه المحكمة بعض أهالي غويخار لنفس السبب . إن رئيس المحكمة الذي كان في موقعهم الحالي و أعضاء المحكمة وماركيز مونديخار والمراجع…كل هؤلاء عارضوه لنفس الأسباب ، وتوقفت القضية منذ عام 1510 وحتى الآن حين عاد نفس القساوسة إلى إثارتها لكي يضايقونا من جهات كثيرة في وقت واحد . إن من ينظر إلى القرارات الجديدة  من الخارج يبدو له أنها سهلة التنفيذ ، لكن صعوبات تنفيذها كبيرة جدا ، وسأعرض لكم هذه الصعوبات تفصيلا حتى تأسوا على هذا الشعب المسكين وترفقوا به وتعاملوه بالحب والرحمة و تزكوه لدى صاحب الجلالة  كما فعل ذلك رؤساء هذه المحكمة  قبلكم . 

إن لباسنا الخاص بالنساء ليس لباس المسلمين ، بل هو زي إقليمي مثل زي قشتالة ، و الزي الخاص يستعمله الناس في أماكن أخرى في الزينة و الأحذية، و من الذي ينكر أن زينا مخالف لزي الأتراك و المسلمين ؟ بل إن أزياء المسلمين مختلفة فيما بينها ، فزي فاس ليس هو زي تلمسان و لا زي تونس مثل زي المغرب، و نفس الشئ يقال عن زي تركيا و زي الممالك الأخرى، و لو أن طائفة محمد لها زي خاص لكان زياٌ واحداٌ في جميع البلاد ، لكن الزي ليس هو الذي يصنع الفضيلة . إننا نرى قساوسة و مسيحيين من سوريا و من مصر يرتدون الزي التركي و تصل قفاطينهم إلى أقدامهم، يتحدثون العربية و التركية، لا يعرفون اللاتينية و لا الإسبانية و رغم كل ذلك فهم مسيحيون. 

أذكر- و أعتقد أن كثيراً من معاصريَّ يذكرون – أن لباس أهل غرناطة قد تغير عما كان معتاداً، فقد بحث الناس عن زي نظيف، قصير، أقل تكلفة. إن هناك من النساء من يتكلف ثوبها دوقية واحدة و تحتفظ بثوب الزفاف و الحفلات للمناسبات و يتوارثن هذه الثياب لثلاثة أو أربعة أجيال. إذا كان الأمر كذلك، فما هي الفائدة التي تعود على أحد إذا حرمنا من ثيابنا التي اشتريناها – في حقيقة الأمر – بدوقيات كثيرة كانت حصيلة أعمال قمنا بها خدمة للملوك السابقين ؟ لماذا يريدون أن يجعلونا نفقد أكثر من ثلاثة ملايين عملة ذهبية أنفقناها في هذه الثياب و أن يخسر التجار و السماسرة و عمال الفضة و غيرهم ممن يعيشون من جراء صناعة الثياب و الأحذية و المجوهرات الموريسكية ؟ إذا كانت مائتا ألف امرأة أو أزيد ممن يعيشون في هذه المملكة سيتعين عليهن شراء ملابس جديدة من الرأس إلى القدم، كم من النقود يتكلف ذلك ؟ أية خسارة تلك التي تمثلها الثياب و المجوهرات الموريسكية التي سيتخلصن منها  !لأن هذه الثياب المصنوعة من قطع قماش صغيرة لا يمكن استعمالها إلا في صناعة هذه الثياب؛ و لهذا فهي غالية. و لا أدوات الزينة أيضاً يمكن استخدامها و لا الأحذية. هذه المرأة المسكينة التي لا تجد ما تشتري به ثوبا ولا عباءة و قبعة و حذاء فترتدي سروالاً و تلتحف بملاءة بيضاء، هذه المرأة ماذا تفعل؟ ماذا سترتدي ؟ من أين لها بنقود لشراء ملابس ؟ ثم هذه الإيرادات الملكية التي تستفيد من البضائع الموريسكية و التي ينفق فيها الكثير على الحرير و الذهب و المجوهرات، لماذا تخسر؟ . إننا معشر الرجال نلبس على الطريقة القشتالية رغم أن معظمنا يرتدي ملابس فقيرة . لو أن الملابس هي التي تصنع الدين لكان الرجال أحرص عليها من النساء، فقد ورثوا الدين عن الكبار و العلماء. 

سمعت كثيراً عن القساوسة أنه ستكون هناك مكافآت و تفضيل لمن يلبسون ثياباً قشتالية و حتى الآن ، من بين كل من ارتدى الثياب القشتالية، لا أرى واحداً فقط أقل تعرضاً للمضايقات و لا موضع تفضيل . إننا جميعاً نُعامل بنفس الطريقة. إذا وجدوا سكيناً مع أحد يودعونه السجن و يفقد أمواله بين الغرامات و الرشاوى. تطاردنا المحاكم الكنسية و المحاكم المدنية، و رغم كل ذلك فنحن رعايا مخلصون دائماً و مطيعون لجلالة الملك و مستعدون لخدمته بأموالنا. لا يستطيع أحد إطلاقاً أن يقول إننا ارتكبنا خيانة منذ اليوم الذي استسلمنا فيه. 

عندما قامت الثورة في البيازين لم تكن ضد الملك (8)، بل تأييداً لتوقيعه الذي نكنّ له الاحترام كشيء مقدس. قبل أن يجف مداد الحبر نُقضت بنود المعاهدة، فألقى القبض على النساء ذوات الأصل المسيحي لكي يجبروهن على التنصر. تأمل يا سيدي هل قام أهل هذه المملكة بالتمرد ؟ لقد قاموا – تأييداً لصاحب الجلالة – بمرافقة كل من ماركيز مونديخار و السيد أنطونيو و السيد بيرناردينو دي مندوثا و أخوته ضد المتمردين إيرناندو دي كوردوبا اونخى ودييغو لوبيث اثيرا . كنا أربعمائة فارس موريسكي و كنا أول من حمل السلاح في إسبانيا ضد الجماعات . و قد كان السيد خوان دي غرناطة شقيق الملك أبي عبد الله قائداً للجيش الملكي في قشتالة. من العدل إذن أن يكرّم هؤلاء الذين أثبتوا ولاءهم و أن تكرموهم سيادتكم كما فعل أسلافكم ممن تولوا لرئاسة هذه المحكمة.

إن حفلات الزفاف الخاصة بنا و رقصة السمرة و أفراحنا التي اعتدنا عليها لا تحول بيننا و بين المسيحية ، بل أنني لا أدري كيف يقول أحد إنها حفلات مسلمين ؛ لأن المسلم الصالح لا يتواجد في هذه الأماكن، و قديما كان الفقهاء يغادرون المكان عندما يبدأ العزف و الغناء، بل إن الملك المسلم عندما كان يغادر المدينة و يمر بحي البيازين الذي يسكنه القضاة و الفقهاء كان يأمر بوقف العزف حتى يخرج من باب البيرا احتراماً لهم. ليست هناك حفلات رقص في إفريقيا و لا في تركيا. إنها عادة محلية، و لو كانت شعيرة دينية لكان لها نفس الطابع في كل الأماكن. إن الأسقف الطيب (9) كان له أصدقاء من الفقهاء، و كان يستعمل أشخاصا يتقاضون أجراً حتى يشرحوا له عبادة المسلمين، و لو علم أن حفلات الرقص من شعائر الإسلام لكان قد منعها أو على الأقل لم يمتدحها فقد كان يأمر بأن تعزف موسيقى السمرة….. و الاحتفالات الأخرى التي يحضرها كل الناس، و كانوا يتنافسون أيهم يجيد رقصة السمرة بشكل أفضل. وفي البشرات – حين كان يذهب لزيارة الكنيسة – عندما  كان يقوم بوعظ ملحن كان يستبدل الأرغون بموسيقى السمرة التي كانت ترافقه في طريقه إلى الكنيسة. أتذكر أنه أثناء الوعظ عندما كان يدير وجهه إلى الجمهور كان يقول بالعربية – بدلا من اللاتينية – ”يبارك فيكم” ، ثم كانت تعزف موسيقى السمرة. 

لا تَجد كذلك أن تَخَضُّبَ النساء بالحناء شعيرة إسلامية، بل هي عادة لتنظيف الرأس إذ تخرج منها أية قذارة، و هو أمر صحي، و إذا وضع مع الحناء شيء فذلك لصبغ الشعر، و أداء عمل يرونه جميلاً ، و هذا ليس ضد العقيدة ، بل هو شيء مفيد للجسم ويعالج الأمراض ،و قد أراد السيد أنطونيو دي غيبارا قسيس وادي آش أن يقصر شعر النساء في ماركيزية ثنيتي و أن يزيل الحناء من أيديهن ، فلما ذهب لتقديم الشكوى إلى رئيس و أعضاء المحكمة و إلى ماركيز مونديخار اجتمعوا لمناقشة الأمر و أرسلوا له شخصاً يخبره بألا يفعل ذلك ، إذ لا علاقة له بالدين.



سيدي، ماذا يُجدي ترك أبواب منازلنا مفتوحة ؟ إننا بذلك نسهل للصوص سرقتنا، و نسهل لمن لا حياء لهم التجرؤ على نسائنا و نسهل للحُجّاب ترويع الناس الآمنين. إذا أراد شخص أن يكون مسلماً و أن يمارس الوضوء و شعائر المسلمين، ألا يستطيع فعل ذلك ليلاً ؟ يستطيع بالتأكيد لأن شعائر طائفة محمد تتطلب العزلة.



لا يجدي للدين فتح أو إغلاق الأبواب بالنسبة لمن كانت نيته سيئة، و من يفعل ما لا يجب فليعاقب و لا يخفى على الله شيء.

هل يمكن إثبات أن للحمامات علاقة بشعائر الإسلام؟ لا بكل تأكيد، في الحمامات يجتمع الناس، و في معظم الحمامات يقوم بالعمل مسيحيون. إن الحمامات تمتلئ بالقاذورات في حين أن شعائر الإسلام تتطلب النظافة و العزلة ، فكيف يذهب المسلم لتأدية الصلاة في مكان مريب؟ . إن الحمامات شيدت لتنظيف الجسد، و القول بأن النساء يجتمعن هناك بالرجال قول لا يمكن تصديقه؛ لأن المكان الذي ترتاده الكثيرات لا يمكن أن تكون به أسرار. إن النساء و الرجال لهم وسائل أخرى للاجتماع، خاصة أن الرجال لا يدخلون إلى الحمامات عندما تكون النساء موجودة. لقد كانت هناك حمامات في كل الأقاليم، و إذا كانت حمامات قشتالة قد أزيلت فذلك لأنها كانت تضعف رغبة الرجال في الحرب. ليس على أهل هذه المملكة أن يحاربوا و لا يتعين على النساء أن تكون لهن قوة بل أن يكن نظيفات، و إذا لم تغتسل النساء في الحمامات فلن يغتسلن في الأنهار و لا في البيوت، أين يمكنهن الاغتسال إذن ؟ و لكي تذهب النساء إلى الحمام كعلاج لأمراضهن فإنهن يتكلفن كثيراً من الجهد و المال و الوقت لاستخراج تصريح بذلك.

الأمر بأن تكشف النساء وجوهن، ما فائدته سوى دعوة الرجال لارتكاب المعصية إذا رأوا الجمال الذي يشتهونه ؟ و لن تجد الدميمات من يتزوج بهن. إن النساء يغطين وجوهن لكي لا يُعرفن، و هذا ما تفعله المسيحيات. إن هذا الفعل شرف يتجنبن به المشاكل؛ و لهذا أمر الملك الكاثوليكي بألا يكشف مسيحي وجه موريسكية تمشي في الشارع و إلا عوقب. إذا كان الأمر كذلك و لا يتعارض مع الدين فلماذا نُغضب أهل غرناطة بسبب كشف أو عدم كشف وجوه زوجاتهم؟

إن الألقاب القديمة التي نحملها إنما هي لكي نعرف بعضنا بعضاً و إلا تاه الناس و ضاعت الأنساب، ما فائدة ضياع الأنساب؟ لو فكرنا في الأمر جيداً فإن المحافظة على الأنساب ترفع من شأن الملكين الكاثوليكيين اللذين تمكنا من الاستيلاء على مملكة غرناطة. هذا بالضبط كان هدف صاحبي الجلالة و هدف الإمبراطور، و من أجل هذا يُراعى القيام على شؤون قصر الحمراء و قصور أخرى صغيرة بحيث تظل كما كانت موجودة في عهد الملوك المسلمين. بهذه الطريقة تدل هذه القصور على سطوة المنتصرين (10).

ترحيل المقاتلين الغرباء من هذه المملكة أمر عادل، فلا فائدة تعود على أحد من اتصالهم بأهل البلاد، لكن هذه الأوامر صدرت سابقاً و لم تُنفذ أبداً، و تنفيذها الآن تترتب عليه مشاكل؛ لان معظمهم أصبح الآن من أهل البلاد، فقد تزوجوا و أصبح لهم أولاد و أحفاد و هؤلاء قد تزوجوا و لذلك فإن طردتهم من البلاد سيؤدي إلى تأنيب الضمير.

و ليست هناك مشكلة كذلك في أن يكون لأهل غرناطة عبيد. ألا يحق لأهل غرناطة أن يكون لهم خدم؟ هل كل الناس متساوون؟ القول بأن الشعب الموريسكي تعداده يزيد مع وجودهم هو مجرد توهم؛ لان صاحب الجلالة لما سأل عن تعداد العبيد السود في هذه المملكة قيل له إن عددهم عشرون ألف و قد أصبحوا الآن أربعمائة فقط ،  و في الوقت الحاضر لا توجد مائة تصريح بامتلاك عبيد. هذه المسألة أيضاً أثارها القساوسة. إنهم هم الذين مكنوا أصحابهم من امتلاكهم و هم الذين استفادوا من وجودهم.

ننتقل إلى اللغة العربية و هذه تمثل اكبر مشكلة، كيف يمكن أن يُحرم الناس لغتهم الطبيعية التي وُلدوا و تربوا عليها؟ إن المصريين و السوريين و المالطيين و جمع أخر من المسيحيين يتحدثون و يكتبون و يقرءون بالعربية و هم مسيحيون مثلنا. و لم يحدث في هذه المملكة أن كتب عقد أو وصية باللغة العربية منذ تحولنا إلى المسيحية. كلنا يتمنى أن يتعلم اللغة القشتالية، لكن هذا ليس في مقدور الناس. كم من الأشخاص موجودون في هذه المدينة و في قرى خارجها لا يتحدثون اللغة العربية إلا و كل منهم له لهجة مختلفة عن الآخر بحيث أنك بمجرد أن تسمع شخصاً من البشرات يتحدث تعرف أنه من البشرات؟ لقد وُلد هؤلاء الناس و تربوا في أماكن صغيرة ولم يسمعوا اللغة الأعجمية أبداً، و ليس هناك من يفهمها إلا القسيس و العريف، و هذان يتحدثان دائماً بالعربية، و سيكون من الصعب بل من المستحيل أن يتعلم كبار السن اللغة القشتالية في ما تبقى لهم من عمر، ناهيك عن فترة السنوات الثلاث، حتى لو لم يفعلوا شيئاً سوى الذهاب إلى المدرسة و العودة منها. من الواضح أن هذا البند وُضع لتعجيزنا: ففي حين لا يوجد من يعلمنا الأعجمية يريدون أن نتعلمها بالقوة، و أن نتخلى عن اللغة التي نجيدها؛ و هكذا يسببون لنا الأحزان و الصدمات، و هكذا عندما يرى أهل البلاد أنهم لا يستطيعون رفع الظلم فسيتركون البلاد خوفاً من العقوبة و يذهبون إلى بلاد أخرى و يتحولون إلى قطاع طرق. إن من أمر بهذا رغبة منه في خلاص النفوس عليه أن يعي أن ذلك سيؤدي إلى خطر عظيم. ليتأمل الوصية الثانية من الوصايا العشر، و عندما يحب الآخر لن يحب له ما لا يحب لنفسه. ليتأمل في أنه لو أمر مسيحيو قشتالة أو أندلوثيا بشيء واحد من الأوامر التي صدرت لنا لماتوا حزناً و لا أدري ماذا كانوا سيفعلون. 

لقد كان رؤساء هذه المحكمة دائماً يحمون هذا الشعب البائس، إذا أهمَّ شعبنا شيء كان يهرع إليهم، و كانوا يعالجونه كأشخاص يمثلون الذات الملكية و يتمنون الخير لرعايا جلالة الملك. هذا بالضبط ما امله منكم جميعاً. 

هل هناك على وجه الأرض من هم أدنى من أهل غينيا السود؟ . لقد سُمح لهم بالتحدث بلغتهم لإرضائهم. سامحني الله إذا كنت قد قلت ما قلت بنية سيئة، لأن نيتي حسنة. لقد عبدت الله ربنا و أخلصت للتاج الملكي و لأهل هذا الوطن و عملت من أجل خيره, هذا الواجب يجري في دمي و لا أستطيع التخلي عنه. منذ ستين عاما و أنا أؤدي هذا العمل. في كل مرة كنت أحد المختارين. إذا نظرتم إلى هذه الأمور إذن بعين الرحمة فلن تتخلوا سيادتكم عن محدودي الإمكانيات و هم يواجهون من يملكون قوة الدين في جانبهم. الفتوا نظر صاحب الجلالة, و عالجوا هذه الأضرار الكثيرة كما نأمل و افعلوا ما يجب أن يفعله رجل مسيحي شريف. نتمنى أن يكون في ذلك رضا الله و رضا صاحب الجلالة, و سيكون أهل هذه المملكة مدينون لكم على الدوام."

الهوامش:

(1)    القرارات التي أصدرها فليبي الثاني في 17 نونبر عام 1566 نجدها في صورة قوانين متعددة في Nueva recopilacion  صفحات 233-235-236. القرارات الخاصة بقطاع الطريق نجدها ضمن القرارات الصادرة في 23 نونبر 1567, و هناك قرارات أخرى صدرت في 10 دجنبر بشأن أولئك الذين يتسترون على الأتراك و البربر و اليهود. (مسلمو مملكة غرناطة بعد عام 1492 . خوليو كارو باروخا. تعريب جمال عبد الرحمان. ص 175).
(2)    المورسكيون الأندلسيون. مرثيدس غارسية أرينال. تعريب جمال عبد الرحمان. ص 53.
(3)    انبعاث الإسلام في الأندلس. علي المنتصر الكتاني. ص 92-93.
(4)    للمزيد عن هذه الشخصية يرجى مراجعة موضوعي ”عائلة مولاي الفاسي المرينية بغرناطة”.
(5)    كابريرا دي قرطبة 1, ص 505. من كتاب مسلمو مملكة غرناطة بعد عام 1492م. لخوليو كارو باروخا . ترجمة جمال عبد الرحمان. ص 161.
(6)    المورسكيون الأندلسيون. مرثيدس غارسية أرينال. تعريب جمال عبد الرحمان. ص 54.
(7)    كما وردت في كتاب مارمول. ص 163-165. المذكرة مودعة في مكتبة مدريد الوطنية (المخطوطة رقم 6176) و قد نشرها غاراد و درسها في مقال بعنوان:
« The original memorial of Don Francisco Nunez Muley » en Atlante.
"المورسكيون الأندلسيون". تأليف غارثية مرثيدس أرينال. تعريب جمال عبد الرحمان. و قد ذكر المعرب عن هذه المذكرة أن مارمول لم ينقل النص الكامل للمذكرة التي قدمها نونيث مولاي, و إنما حذف منها عبارات تتضمن انتقادات حادة للسلطات السياسية و للكنيسة.
(8)    يشير إلى ثورة البيازين عام 1499 إثر عمليات التنصير الإجبارية و حرق الكتب نتيجة لتشدد الكاردينال ثيسنيروس. و قد اعتبر الموريسكيون ذلك بمثابة انتهاك لاتفاقية تسليم غرناطة.
(9)    يقصد إيرناندو دي تالابيرا.
(10)كان فقدان الأسماء العربية مؤثرا, فهو يعني ضياع الأنساب العربية القديمة و معها النظام الاجتماعي الذي يستند إليها, انظر : "مسلمو مملكة غرناطة" خوليو كارو باروخا. تعريب جمال عبد الرحمان.

هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالاندلس..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق